الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

مناسبة هذه الآية للآيات قبلها أن اليهود اعتذروا عن إعراضهم عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم بقولهمنؤمن بما أنزل علينا } البقرة 91 وأرادوا به أنهم يكفرون بغيره، وهم في عذرهم ذلك يدعون أن شريعتهم لا تنسخ ويقولون إن محمداً وصف التوراة بأنها حق وأنه جاء مصدقاً لها فكيف يكون شرعه مبطلاً للتوراة ويموهون على الناس بما سموه البداء وهو لزوم أن يكون الله تعالى غير عالم بما يحسن تشريعه وأنه يبدو له الأمر ثم يعرض عنه ويبذل شريعة بشريعة. وقد قدمنا أن الله تعالى رد عليهم عذرهم وفضحهم بأنهم ليسوا متمسكين بشرعهم حتى يتصلبوا فيه وذلك من قولهقل فلم تقتلون أنبئاء الله من قبل } البقرة 91 وقولهقل إن كانت لكم الدار الآخرة } البقرة 94 إلخ وبأنهم لا داعي لهم غير الحسد بقوله { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب } إلى قولهذو الفضل العظيم } البقرة 105 المنبىء أن العلة هي الحسد، فلما بين الرد عليهم في ذلك كله أراد نقض تلك السفسطة أو الشبهة التي راموا ترويجها على الناس بمنع النسخ. والمقصد الأصلي من هذا هو تعليم المسلمين أصلاً من أصول الشرائع وهو أصل النسخ الذي يطرأ على شريعة بشريعة بعدها ويطرأ على بعض أحكام شريعة بأحكام تبطلها من تلك الشريعة. ولكون هذا هو المقصد الأصلي عدل عن مخاطبة اليهود بالرد عليهم. ووجه الخطاب إلى المسلمين كما دل عليه قوله { ألم تعلم } وعطفه عليه بقولهأم تريدون أن تسألوا رسولكم } البقرة 108 ولقوله { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } ولم يقل من شريعة. وفي هذا إعراض عن مخاطبة اليهود لأن تعليم المسلمين أهم وذلك يستتبع الرد عى اليهود بطريق المساواة لأنه إذا ظهرت حكمة تغيير بعض الأحكام لمصلحة تظهر حكمة تغيير بعض الشرائع. وقد ذكر بعض المفسرين لهاته الآية سبب نزول، ففي «الكشاف» و«المعالم» نزلت لما قال اليهود ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، وفي «تفسير القرطبي» أن اليهود طعنوا في تغيير القبلة وقالوا إن محمداً يأمر أصحابه بشيء وينهاهم عنه فما كان هذا القرآن إلا من جهته ولذلك يخالف بعضه بعضاً. وقرأ الجمهور ننسخ بفتح النون الأولى وفتح السين وهو أصل مضارع نسخ، وقرأه ابن عامر بضم النون الأولى وكسر السين على أنه مضارع أنسخ مهموزاً بهمزة التعدية أي نأمر بنسخ آية. وما شرطية وأصلها الموصولة أشربت معنى الشرط فلذلك كانت اسماً للشرط يستحق إعراب المفاعيل وتبين بما يفسر إبهامها وهي أيضاً توجب إبهاماً في أزمان الربط لأن الربط وهو التعليق لما نيط بمبهم صار مبهماً فلا تدل على زمن معين من أزمان تعليق الجواب على الشرط وربطه به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9