عطف على جملة{ ويقول الإنسان أإذا ما مت } مريم 66 أو على جملة{ واتخذوا من دون الله آلهة } مريم 81 إتماماً لحكاية أقوالهم، وهو القول بأن لله ولداً، وهو قول المشركين الملائكة بنات الله. وقد تقدم في سورة النحل وغيرها فصريح الكلام رد على المشركين، وكنايته تعريض بالنّصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله، فهو تكملة للإبطال الذي في قوله تعالى آنفاً{ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } مريم 35 الخ.والضمير عائد إلى المشركين، فيفهم منه أنّ المقصود من حكاية قولهم ليس مجرد الإخبار عنهم، أو تعليم دينهم ولكن تفظيع قولهم وتشنيعه، وإنما قالوا ذلك تأييداً لعبادتهم الملائكة والجن واعتقادهم شفعاء لهم.وذكر { الرّحمان } هنا حكاية لقولهم بالمعنى، وهم لا يذكرون اسم الرحمان ولا يُقرون به، وقد أنكروه كما حكى الله عنهم{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } الفرقان 60، فهم إنما يقولون{ اتخذ الله ولداً } كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف 4. فذكر { الرحمن } هنا وضع للمرادف في موضع مرادفه، فذكر اسم { الرحمان } لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه.وفيه أيضاً إيماء إلى اختلال قولهم لمنافاة وصف الرحمان اتخاذ الولد كما سيأتي في قوله { وما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولداً }.والخطاب في { لقد جئتم } للذين قالوا اتخذ الرحمان ولداً، فهو التفات لقصد إبلاغهم التوبيخ على وجه شديد الصراحة لا يلتبس فيه المراد، كما تقدم في قوله آنفاً{ وإن منكم إلا واردها } مريم 71 فلا يحسن تقدير قل لقد جئتم.وجملة { لقد جئتم شيئاً إدّاً } مستأنفة لبيان ما اقتضته جملة { وقالوا اتّخذ الرحمان ولداً } من التشنيع والتفظيع.وقرأ نافع والكسائي - بياء تحتية على عدم الاعتداد بالتأنيث -، وذلك جائز في الاستعمال إذا لم يكن الفعل رافعاً لضمير مؤنث متصل، وقرأ البقية { تكاد } بالتاء المثناة الفوقية، وهو الوجه الآخر.والتفطر الانشقاق، والجمع بينه وبين { وتنشق الأرض } تفنّن في استعمال المترادف لدفع ثقل تكرير اللفظ. والخرور السقوط.ومِن في قوله { منه } للتعليل، والضمير المجرور بمن عائد إلى { شيئاً إداً } ، أو إلى القول المستفاد من { قالوا اتخذ الرحمن ولداً }.والكلام جار على المبالغة في التهويل من فظاعة هذا القول بحيث إنه يبلغ إلى الجمادات العظيمة فيُغيّر كيانها.وقرأ نافع، وابن كثير، وحفص عن عاصم، والكسائي يتفطرن بمثناة تحتية بعدها تاء فوقية. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف، وأبو بكر عن عاصم، بتحتية بعدها نون، من الانفطار. والوجهان مطاوع فطَر المضاعف أو فطر المجرد، ولا يكاد ينضبط الفرق بين البنيتين في الاستعمال. ولعلّ محاولة التّفرقة بينهما كما في الكشاف والشافية لا يطرد، قال تعالى{ ويوم تشقق السماء بالغمام } الفرقان 25، وقال{ إذا السماء انشقت } الانشقاق 1، وقرىء في هذه الآية { ينفطرون } و { ينفطرن } ، والأصل توافق القرآتين في البلاغة.