الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } * { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } * { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }

إتمام لإثبات قلة غَناء آلهتهم عنهم تبعاً لقولهويكونون عليهم ضداً } مريم 82.فجملة { لا يملكون الشّفاعة } هو مبدأ الكلام، وهو بيان لجملة { ويكونون عليهم ضداً }.والظرف وما أضيف الظرف إليه إدماجٌ بينت به كرامة المؤمنين وإهانة الكافرين. وفي ضمنه زيادة بيان لجملة { ويكونون عليهم ضداً } بأنهم كانوا سبب سَوقهم إلى جهنم ورداً ومخالفتهم لحال المؤمنين في ذلك المشهد العظيم. فالظرف متعلّق بــــ { يملكون }. وضمير { لا يملكون } عائد للآلهة. والمعنى لا يقدرون على أن ينفعوا من اتخذوهم آلهة ليكونوا لهم عزّاً.والحشر الجمع مطلقاً، يكون في الخير كما هنا، وفي الشرّ كقولهاحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } الصافات 22، 23، ولذلك أتبع فعل { نحشر } بقيد { وَفداً } ، أي حَشْر الوفود إلى الملوك، فإن الوفود يكونون مُكرمين، وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات، ولأعيان العرب وفادات سنويّة على ملوكهم وسادتهم، ولكلّ قبيلة وفادة، وفي المثل «إن الشّقِيّ وافد البراجم». وقد اتّبع العرب هذه السنّة فوفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنّه أشرف السادة. وسنةُ الوفود هي سنة تسع من الهجرة تلت فتحَ مكة بعموم الإسلام بلاد العرب.وذكر صفة { الرَّحمان } هنا واضحة المناسبة للوفد.والسوق تسيير الأنعام قُدام رعاتها، يجعلونها أمَامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلّت عليهم، فالسوق سير خوفٌ وحذر.وقوله { ورداً } حال قصد منها التشبيه، فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق.والوِرد ــــ بكسر الواو ــــ أصله السير إلى الماء، وتسمى الأنعامُ الواردة وِرداً تسمية على حذف المضاف، أي ذات ورد، كما يسمى الماء الذي يرده القوم ورداً. قال تعالىوبئس الورد المورود } هود 98.والاستثناء في { إلاّ من اتخذ عند الرحمان عهداً } استثناء منقطع، أي لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمان عهداً، أي من وعده الله بأن يشفع وهم الأنبياء والملائكة.ومعنى { لا يملكون } لا يستطيعون، فإنّ المِلك يطلق على المقدرة والاستطاعة. وقد تقدّم عند قوله تعالىقل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً } في سورة العقود 76.