فرع على الثناء عليهم اعتبارٌ وتنديد بطائفة من ذرياتهم لم يقتدوا بصالح أسلافهم وهم المعني بالخَلْف.والخلْف ــــ بسكون اللام ــــ عقب السُوء، و ــــ بفتح اللام ــــ عقب الخير. وتقدم عند قوله تعالى{ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب } في سورة الأعراف 169.وهو هنا يشمل جميع الأمم التي ضلّت لأنها راجعة في النّسب إلى إدريس جدّ نوح إذ هم من ذرية نوح ومن يرجع أيضاً إلى إبراهيم، فمنهم من يدلي إليه من نسل إسماعيل وهم العرب. ومنهم من يدلي إليْه من نسل يعقوب وهم بنو إسرائيل.ولفظ { من بعدهم } يشمل طبقات وقروناً كثيرة، ليس قيداً لأنّ الخلف لا يكون إلاّ من بعد أصله وإنّما ذُكر لاستحضار ذهاب الصالحين.والإضاعة مجاز في التفريط بتشبيهه بإهمال العَرْض النفيس، فرطوا في عبادة الله واتبعوا شهواتهم فلم يخالفوا ما تميل إليه أنفسهم ممّا هو فساد. وتقدم قوله تعالى{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } في سورة الكهف 30.والصلاة عبادة الله وحده.وهذان وصفان جامعان لأصناف الكفر والفسوق، فالشرك إضاعة للصلاة لأنّه انصراف عن الخضوع لله تعالى، فالمشركون أضاعوا الصلاة تماماً، قال تعالى{ قالوا لم نك من المصلّين } المدثر 43. والشرك اتباع للشّهوات، لأنّ المشركين اتّبعوا عبادة الأصنام لمجرد الشهوة من غير دليل، وهؤلاء هم المقصود هنا، وغير المشركين كاليهود والنصارى فَرطوا في صلوات واتبعوا شهوات ابتدعوها، ويشمل ذلك كله اسم الغيّ.والغيّ الضلال، ويطلق على الشرّ، كما أطلق ضده وهو الرشَد على الخير في قوله تعالى{ أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } الجنّ 10 وقوله{ قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } الجنّ 21. فيجوز أن يكون المعنى فسوف يلقون جزاء غيّهم، كقوله تعالى{ ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } الفرقان 68 أي جزاء الآثام. وتقدم الغيّ في قوله تعالى { وإخوانهم يمدونهم في الغي } وقوله{ وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً } كلاهما في سورة الأعراف 202و 146. وقرينة ذلك مقابلته في ضدهم بقوله { فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة }.وحرف سوف دال على أن لقاءهم الغيّ متكرر في أزمنة المستقبل مبالغة في وعيدهم وتحذيراً لهم من الإصرار على ذلك.وقوله { فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة } جيء في جانبهم باسم الإشارة إشادة بهم وتنبيهاً لهم للترغيب في توبتهم من الكفر. وجيء بالمُضارع الدّال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يُمْطَلُون في الجزاء. والجنّة عَلَم لدار الثواب والنّعيم. وفيها جنّات كثيرة كما ورد في الحديث " أَو جَنَّةٌ واحدة هي إنّها لجنان كثيرة " والظلم هنا بمعنى النقص والإجحاف والمطل. كقوله{ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } في سورة الكهف 33.وشي اسم بمعنى ذات أو موجود وليس المراد مصدر الظلم.وذكر { شيئاً } في سياق النفي يفيد نفي كل فرد من أفراد النقص والإجحاف والإبطاء، فيعلم انتفاء النقص القوي بالفحوى دفعاً لما عسى أن يخالج نفوسهم من الانكسار بعد الإيمان يظن أنّ سبق الكفر يَحط من حسن مصيرهم.