الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً }

رجوع إلى بقية القصة بعد أن تخلل الاعتراض بينها بقولهفلا تمار فيهم } الكهف 22 إلى قولهرشداً } الكهف 24. فيجوز أن تكون جملة { ولبثوا } عطفاً على مقولهم في قولهسيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } الكهف 22 أي ويقولون لبثوا في كهفهم، ليكون موقع قولهقل الله أعلم بما لبثوا } الكهف 26 كموقع قوله السابققل ربي أعلم بعدتهم } الكهف 22، وعليْه فلا يكون هذا إخباراً عن مدة لبثهم. وعن ابن مسعود أنه قرأ وقالوا لبثوا في كهفهم } إلى آخره، فذلك تفسير لهذا العطف. ويجوز أن يكون العطف على القصة كلها. والتقدير وكذلك أعثرنا عليهم إلى آخره، وهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسعَ سنين. وعلى اختلاف الوجهين يختلف المعنى في قولهقل الله أعلم بما لبثوا } الكهف 26 كما سيأتي. ثم إن الظاهر أن القرآن أخبر بمدة لبث أهل الكهف في كهفهم، وأن المراد لبثُهم الأول قبل الإفاقة وهو المناسب لسبق الكلام على اللبث في قولهقال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } الكهف 19، وقد قدمنا عند قوله تعالىأم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } الكهف 9 الخ... أن مؤرخي النصارى يزعمون أن مدة نومة أهل الكهف مائتان وأربعون سنة. وقيل المراد لبثهم من وقت موتهم الأخير إلى زمن نزول هذه الآية. والمعنى أن يقدر لبثهم بثلاثمائة وتسع سنين. فعُبّر عن هذا العدد بأنه ثلاثمائة سنة وزيادة تسع، ليعلم أن التقدير بالسنين القمرية المناسبة لتاريخ العرب والإسلام مع الإشارة إلى موافقة ذلك المقدار بالسنين الشمسية التي بها تاريخ القوم الذين منهم أهل الكهف وهم أهل بلاد الروم. قال السهيلي في الروض الأنف النصارى يعرفون حديث أهل الكهف ويؤرخون به. وأقول واليهود الذين لَقّنوا قريشاً السؤالَ عنهم يؤرخّون الأشهر بحساب القمر ويؤرخون السنين بحساب الدورة الشمسية، فالتفاوت بين أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية يحصل منه سنة قمرية كاملة في كل ثلاث وثلاثين سنة شمسيةً، فيكون التفاوت في مائة سنة شمسيةٍ بثلاث سنين زائدة قمرية. كذا نقله ابن عطية عن النقاش المفسر. وبهذا تظهر نكتة التعبير عن التسع السنين بالازدياد. وهذا من علم القرآن وإعجازه العلمي الذي لم يكن لعموم العرب علم به. وقرأ الجمهور { ثلاث مائةٍ } بالتنوين. وانتصب { سنين } على البدلية من اسم العدد على رأي من يمنع مجيء تمييز المائة منصوباً، أو هو تمييز عند من يجيز ذلك. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بإضافة مائة إلى سنين على أنه تمييز للمائة. وقد جاء تمييز المائة جمعاً، وهو نادر لكنه فصيح.