الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ }. عطف على الاعتراض. ومناسبة موقعه هنا ما رواه ابن إسحاق والطبري في أول هذه السورة والواحدي في سورة مريم " أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يَقُل «إن شَاءَ الله »، فلم يأته جبريل ــــ عليه السلام ــــ بالجواب إلا بعد خمسة عشرَ يوماً " وقيل بعد ثلاثة أيام كما تقدم، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ كما عاتب سليمان ــــ عليه السلام ــــ فيما رواه البخاري " أن سليمان قال لأطوفَنّ الليلة على مائة امرأة تَلِد كل واحدة ولداً يقاتل في سبيل الله فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شِقّ غلام ". ثم كان هذا عتاباً صريحاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول «إن شاء الله» كما نسي سليمان، فأعلم الله رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يَعِد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة الله. وقوله { إلا أن يشاء الله } استثناء حقيقي من الكلام الذي قبله. وفي كيفية نظمه اختلاف للمفسرين، فمقتضى كلام الزمخشري أنه من بقية جملة النهي، أي هو استثناء من حكم النهي، أي لا تقولن إني فاعل الخ... إلا أن يشاء الله أن تقوله. ومشيئة الله تُعلم من إذنه بذلك، فصار المعنى إلا أن يأذن الله لك بأن تقوله. وعليه فالمصدر المسبك من { أن يشاء الله } مستثنى من عموم المنهيات وهو من كلام الله تعالى، ومفعول { يشاء الله } محذوف دل عليْه ما قبله كما هو شأن فِعل المشيئة والتقدير إلا قولاً شاءه الله فأنت غير منهي عن أن تقوله. ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفراء أنه مستثنى من جملة { إني فاعل ذلك غداً } ، فيكون مستثنى من كلام النبي صلى الله عليه وسلم المنهي عنه، أيْ إلا قولاً مقترناً بــــ إن شاء الله فيكون المصدر المنسبك من أن والفعل في محل نصب على نزع الخافض وهو باء الملابسة. والتقدير إلا بــــ إن يشاء الله أي بما يدل على ذكر مشيئة الله، لأن ملابسة القول لحقيقة المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ إن شاء الله ونحوهِ، فالمراد بالمشيئة إذن الله له. وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبيء صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات الأولى أنه أجاب سؤله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادة الله مع المكابرين.

السابقالتالي
2 3