الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

عطف لجزء من القصة الذي فيه عبرة لأهل الكهف بأنفسهم ليعلموا من أكرمهم الله به من حفظهم عن أن تنالهم أيدي أعدائهم بإهانة، ومن إعلامهم علم اليقين ببعض كيفية البعث، فإن علمه عظيم وقد قال إبراهيمرب أرني كيف تحيي الموتى } البقرة 260. والإشارة بقوله { وكذلك } إلى المذكور من إنامتهم وكيفيتها، أي كما أنمناهم قروناً بعثناهم. ووجه الشبه أن في الإفاقة آية على عظيم قدرة الله تعالى مثل آية الإنامة. ويجوز أن يكون تشبيه البعث المذكور بنفسه للمبالغة في التعجيب كما تقدم في قولهوكذلك جعلناكم أمة وسطا } البقرة 143. وتقدم الكلام على معنى البعث في الآية المتقدمة، وفي حسن موقع لفظ البعث في هذه القصة، وفي التعليل من قوله { ليتساءلوا } عند قولهثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى } الكهف 12. والمعنى بعثناهم فتساءلوا بينهم. وجملة { قال قائل منهم } بيان لجملة { ليتساءلوا }. وسميت هذه المحاورة تساؤلاً لأنها تحاور عن تطلب كل رأيَ الآخر للوصول إلى تحقيق المدة. و الذين قالوا { لبثنا يوماً أو بعض } هم مَن عدا الذي قال { كم لبثتم }. وأسند الجواب إلى ضمير جماعتهم إما لأنهم تواطؤوا عليه، وإما على إرادة التوزيع، أي منهم من قال لبثنا يوماً، ومنهم قال لبثنا بعض يوم. وعلى هذا يجوز أن تكون أو للتقسيم في القول بدليل قوله بعد { قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } ، أي لما اختلفوا رجعوا فعدلوا عن القول بالظن إلى تفويض العلم إلى الله تعالى، وذلك من كمال إيمانهم. فالقائلون { ربكم أعلم بما لبثتم } يجوز أن يكون جميعهم وهو الظاهر. ويجوز أن يكون قول بعضهم فأسند إليهم لأنهم رأوه صواباً. وتفريع قولهم { فابعثوا أحدكم } على قولهم { ربكم أعلم بما لبثتم } لأنه في معنى فدَعُوا الخوض في مدة اللبث فلا يعلمها إلا الله وخذوا في شيء آخر مما يهمكم، وهو قريب من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيهاً على أن غيره أولى بحاله، ولولا قولهم { ربكم أعلم بما لبثتم } لكان قولهم { فابعثوا أحدكم } عين الأسلوب الحكيم. والوَرِق ــــ بفتح الواو وكسر الراءِ الفضة. وكذلك قرأه الجمهور. ويقال وَرْق ــــ بفتح الواو وسكون الراء ــــ وبذلك قرأ أبوعمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم ورَوح عن يعقوب وخلف. والمراد بالورق هنا القطعة المسكوكة من الفضة، وهي الدراهم قيل كانت من دراهم دقيوس سلطان الروم. والإشارة بهذه إلى دَراهم معينة عندهم، والمدينة هي أبْسُسْ ــــ بالباء الموحدة ــــ. وقد قدمنا ذكرها في صدر القصة. و { أيها } ما صدقه أي مكان من المدينة، لأن المدينة كل له أجزاء كثيرة منها دكاكين الباعة، أي فلينظر أي مكان منها هو أزكى طعاماً، أي أزكى طعامُه من طعام غيره.

السابقالتالي
2