الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }

لما اقتضى قولهلنعلم أي الحزبين أحصى } الكهف 12 أن في نبأ أهل الكهف تخرصات ورجماً بالغيب أثار ذلك في النفس تطلعا إلى معرفة الصدق في أمرهم، من أصل وجود القصة إلى تفاصيلها من مخبر لا يُشك في صدق خبره كانت جملة نحن نقص عليك نبأهم بالحق استئنافاً بيانياً لجملة لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً الكهف 12. وهذا شروع في مجمل القصة والاهتمام بمواضع العبرة منها. وقدم منها ما فيه وصف ثباتهم على الإيمان ومنابذتهم قومهم الكفرة ودخولهم الكهف. وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة { نحن نقص عليك } يفيد الاختصاص، أي نحن لا غيرُنا يقص قصصهم بالحق. والحق هنا الصدق. والصدق من أنواع الحق، ومنه قوله تعالىحقيق عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق } في سورة الأعراف 105. والباء للملابسة، أي القصص المصاحب للصدق لا للتخرصات. والقصص سَرد خبر طويل فالإخبارُ بمخاطبة مفرقة ليس بقصص، وتقدم في طالع سورة يوسف. والنبأ الخبر الذي فيه أهمية وله شأن. وجملة { إنهم فتية } مبينة للقصص والنبأ. وافتتاح الجملة بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام لا لرد الإنكار. وزيادة الهدى يجوز أن يكون تقوية هُدى الإيمان المعلوم من قوله { آمنوا بربهم } بفتح بصايرهم للتفكير في وسائل النجاة بإيمانهم وألهمهم التوفيق والثبات، فكل ذلك هدى زائد على هدى الإيمان. ويجوز أن تكون تقوية فضل الإيمان بفضل التقوى كما في قوله تعالىوالذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } محمد 17. والزيادة وفرةُ مقدار شيء مخصوص، مثل وفرة عدد المعدود، ووزن الموزون، ووفرة سكان المدينة. وفعل زاد يكون قاصراً مثل قوله تعالىوأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } الصافات 147، ويكون متعدياً كقولهفزادهم الله مرضاً } البقرة 10. وتستعار الزيادة لقوة الوصف كما هنا. والربط على القلب مستعار إلى تثبيت الإيمان وعدم التردد فيه، فلما شاع إطلاق القلب على الاعتقاد استعير الربط عليه للتثبيت على عقده. كما قال تعالىلولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين } القصص 10. ومنه قولهم هو رابط الجأش. وفي ضده يقال اضطرب قلبه، وقال تعالىوبلغت القلوب الحناجر } الأحزاب 10. استعير الاضطراب ونحوه للتردد والشك في حصول شيء. وتعدية فعل { ربطنا } بحرف الاستعلاء للمبالغة في الشد لأن حرف الاستعلاء مستعار لمعنى التمكن من الفعل. و { إذ قاموا } ظرف للربط، أي كان الربط في وقت في قيامهم، أي كان ذلك الخاطر الذي قاموا به مقارناً لربط الله على قلوبهم، أي لولا ذلك لما أقدموا على مثل ذلك العمل وذلك القول. والقيام يحتمل أن يكون حقيقياً، بأن وقفوا بين يدي ملك الروم المشرك، أو وقفوا في مجامع قومهم خطباء معلنين فساد عقيدة الشرك. ويحتمل أن يكون القيام مستعاراً للإقدام والجَسْر على عمل عظيم، وللاهتمام بالعمل أو القول، تشبيهاً للاهتمام بقيام الشخص من قعود للإقبال على عمل ما، كقول النابغة

السابقالتالي
2