الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }

اعتراض باستئناف ابتدائي أثاره مضمون جملة { أفحسب الذين كفروا } الخ... فإنهم لما اتْخذوا أولياءَ مَن ليسوا ينفعونهم فاختاروا الأصنام وعبدوها وتقربوا إليها بما أمكنهم من القُرب اغتراراً بأنها تدفع عنهم وهي لا تغني عنهم شيئاً فكان عملهم خاسراً وسعيهم باطلاً. فالمقصود من هذه الجملة هو قوله { وهم يحسبون... } الخ. وافتتاح الجملة بالأمر بالقول للاهتمام بالمقول بإصغاء السامعين لأنّ مثل هذا الافتتاح يشعر بأنه في غرض مُهمّ، وكذلك افتتاحه باستفهامهم عن إنبائهم استفهاماً مستعملاً في العَرض لأنّه بمعنى أتحبون أن نُنبئكم بالأخسرين أعمالاً، وهو عرض تهكم لأنه منبئهم بذلك دون توقف على رضاهم. وفي قوله { بالأخسرين أعمالاً } إلى آخره... تمليح إذ عدل فيه عن طريقة الخطاب بأن يقال لهم هل ننبئكم بأنكم الأخسرون أعمالاً، إلى طريقة الغيبة بحيث يستشرفون إلى معرفة هؤلاء الأخسرين فما يروعهم إلاّ أن يعلموا أنّ المخبر عنهم هم أنفسهم. والمقول لهم المشركون، توبيخاً لهم وتنبيهاً على ما غفلوا عنه من خيبة سعيهم. ونون المتكلّم المشارك في قوله { ننبئكم } يجوز أن تكون نون العظمة راجعة إلى ذات الله على طريقة الالتفات في الحكاية. ومقتضى الظاهر أن يقال هل ينبئكم الله، أي سينبئكم ويجوز أن تكون للمتكلّم المشارك راجعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الله تعالى لأنه ينبئهم بما يوحَى إليه من ربّه. ويجوز أن تكون راجعة للرسول وللمسلمين. وقوله { الذين ضل سعيهم } بدل من { بالأخسرين أعمالاً } وفي هذا الإطناب زيادة التشويق إلى معرفة هؤلاء الأخسرين حيث أجرى عليهم من الأوصاف ما يزيد السامع حرصاً على معرفة الموصوفين بتلك الأوصاف والأحوال. والضلال خطأ السبيل. شبه سعيهم غير المثمر بالسير في طريق غير موصلة. والسعي المشي في شدة. وهو هنا مجاز في العمل كما تقدّم عند قولهومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } في سورة الإسراء 19، أي عملوا أعمالاً تقربوا بها للأصنام يحسبونها مبلغة إياهم أغراضاً وقد أخطؤوها وهم يحسبون أنّهم يفعلون خيراً. وإسناد الضلال إلى سعيهم مجاز عقلي. والمعنى الذين ضلوا في سعيهم. وبين { يحسبون } و { يحسنون } جناس مصحّف، وقد مثل بهما في مبحث الجناس.