الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }

هذا تذييل، وهو تنهية للغرض الذي ابتدىء من قولهربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله } الإسراء 66 الراجع إلى التذكير بنعم الله تعالى على الناس في خلال الاستدلال على أنه المتصرف الوحيد، وإلى التحذير من عواقب كفران النعم. وإذ قد ذكر في خلال ذلك فريقان في قولهيوم ندعوا كل أناس بإمامهم } الآية الإسراء 71، وقولهوننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } الإسراء 82. ولما في كلمة كل من العموم كانت الجملة تذييلاً. وتنوين { كل } تنوين عوض عن المضاف إليه، أي كل أحد مما شمله عموم قولهومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى } الإسراء 72 وقولهورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } الإسراء 82 وقولهوإذا أنعمنا على الإنسان } الإسراء 83. والشاكلة الطريقة والسيرة التي اعتادها صاحبها ونشأ عليها. وأصلها شاكلة الطريق، وهي الشعبة التي تتشعب منه. قال النابغة يذكر ثوباً يشبه به بُنيات الطريق
له خُلج تهوي فُرادَى وترعوي إلى كل ذي نيرَين بادي الشواكل   
وهذا أحسن ما فسر به الشاكلة هنا. وهذه الجملة في الآية تجري مجرى المثل. وفرع عليه قوله { فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا } وهو كلام جامع لتعليم الناس بعموم علم الله، والترغيب للمؤمنين، والإنذار للمشركين مع تشكيكهم في حقية دينهم لعلهم ينظرون، كقولهوإنا أو إياكم لعلى هدى } الآية سبأ 24.