الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } هذه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على حزنه من تكذيب قومه إياه، ومن إمهال عتاة أعداء الدين الذين فتنوا المؤمنين، فذكره الله بوعده نصرَه. وقد أومأ جَعْلُ المسند إليه لفظ الرب مضافاً إلى ضمير الرسول أن هذا القول مسوق مساق التكرمة للنبيء وتصبيره، وأنه بمحل عناية الله به إذ هو ربه وهو ناصره قال تعالىواصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } الطور 48. فجملة { وإذ قلنا لك } الخ يجوز أن تكون معطوفة على جملةوما منعنا أن نرسل بالآيات } الإسراء 59 ويجوز أن تكون معترضة. و إذ متعلقة بفعل محذوف، أي اذكُرْ إذ قلنا لك كلاماً هو وعد بالصبر، أي اذكر لهم ذلك وأعدهُ على أسماعهم، أو هو فعل { اذكر } على أنه مشتق من الذُّكر ــــ بضم الذال ــــ وهو إعادة الخبر إلى القوة العقلية الذاكرة. والإحاطة لما عدي فعلها هنا إلى ذاتِ الناس لا إلى حال من أحوالهم تعين أنها مستعملة في معنى الغلبة، كما في قوله تعالىوظنوا أنهم أحيط بهم } في سورة يونس 22. وعُبِّرَ بصيغة المضي للتنبيه على تحقيق وقوع إحاطة الله بالناس في المستقبل القريب. ولعل هذا إشارة إلى قوله تعالىأو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } الرعد 41. والمعنى فلا تحزن لافترائهم وتطاولهم فسننتقم منهم. { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } عطف على جملةوما منعنا أن نرسل بالآيات } الإسراء 59 وما بينهما معترضات. والرؤيا أشهر استعمالها في رؤيا النوم، وتستعمل في رؤية العين كما نقل عن ابن عباس في هذه الآية، قال هي رؤيا عَيْن أريها النبي ليلة أسري به إلى بيت المقدس، رواه الترمذي وقال إنه قول عائشة ومعاوية وسبعة من التابعين، سماهم الترمذي. وتأولها جماعة أنها ما رآه ليلة أسري به إذ رأى بيت المقدس وجعل يصفه للمشركين، ورأى عِيرَهم واردة في مكان معين من الطريق ووصف لهم حال رجال فيها فكان كما وصف. ويؤيد هذا الوجه قوله { التي أريناك } فإنه وصف للرؤيا ليُعلم أنها رؤية عين. وقيل رأى أنه يدخل مكة في سنة الحديبية فرده المشركون فلم يدخلها فافتتن بعض من أسلموا فلما كان العام المقبل دخلها. وقيل هي رؤيا مصارع صناديد قريش في بَدر أريها النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أي بمكة. وعى هذين القولين فهي رؤيا نوم ورؤيا الأنبياء وحي. والفتنة اضطراب الرأي واختلال نظام العيش، وتطلق على العذاب المكرر الذي لا يطاق، قال تعالىإن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } البروج 10، وقاليوم هم على النار يفتنون } الذاريات 13. فيكون المعنى على أول القولين في الرؤيا أنها سبب فتنة المشركين بازدياد بعدهم عن الإيمان، ويكون على القول الثاني أن المرئي وهو عذابهم بالسيف فتنة لهم.

السابقالتالي
2 3