الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } عطف جملةفجاسوا } الإسراء 5 فهو من تمام جواب إذَا من قولهفإذا جاء وعد أولاهما } الإسراء 5، ومن بقية المقضي في الكتاب، وهو ماض لفظاً مستقبل معنًى، لأن إذا ظرف لِما يستقبل. وجيء به في صيغة الماضي لتحقيق وقوع ذلك. والمعنى نبعث عليكم عباداً لنا فيجوسون ونرد لكم الكرة عليهم ونمددكم بأموال وبنين ونجعلكم أكثر نفيراً. و ثم تفيد التراخي الرتبي والتراخي الزمني معاً. والردّ الإرجاع. وجيء بفعل { رددنا } ماضياً جَرياً على الغالب في جواب إذا كما جاء شرطها فعلاً ماضياً في قولهفإذا جاء وعد أولاهما بعثنا } الإسراء 5 أي إذا يجيء يبعث. والكرة الرجعة إلى المكان الذي ذهب منه. فقوله { عليهم } ظرف مستقر هو حال من { الكرة } ، لأن رجوع بني إسرائيل إلى أورشليم كان بتغلب ملك فارس على ملك بابل. وذلك أن بني إسرائيل بعد أن قضوا نيفاً وأربعين سنة في أسر البابليين وتابوا إلى الله وندموا على ما فرط منهم سَلط الله ملوكَ فارس على ملوك بابل الأشوريين فإن الملك كُورش ملك فارس حارب البابليين وهزمهم فضعُف سلطانهم، ثم نزل بهم دَاريوس ملك فارس وفتح بابل سنة 538 قبل المسيح، وأذن لليهود في سنة 530 قبل المسيح أن يرجعوا إلى أورشليم ويجددوا دولتهم. وذلك نصر انتصروه على البابليين إذ كانوا أعواناً للفرس عليهم. والوعد بهذا النصر ورد أيضاً في كتاب أشعياء في الإصحاحات العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، وغيرها، وفي كتاب أرميا في الإصحاح الثامن والعشرين والإصحاح التاسع والعشرين. وقوله { وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً } هو من جملة المقضي الموعود به. ووقع في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب أرميا «هكذا قال الرب إلهُ إسرائيل لكل السبي الذي سبيتهُ من أورشليم إلى بابل ابنوا بيوتاً واسكنوا، واغرسوا جنات، وكلوا ثمرها، خُذوا نساء ولِدُوا بنين وبناتٍ، واكثروا هناك ولا تقِلُّوا». و { نفيراً } تمييز «لأكثر» فهو تبيين لجهة الأكثرية، والنفير. اسم جمع للجماعة التي تنفر مع المرء من قومه وعشيرته، ومنه قول أبي جهل «لا في العير ولا في النفير». والتفضيل في أكثر تفضيل على أنفسهم، أي جعلناكم أكثر مما كنتم قبل الجَلاء، وهو المناسب لمقام الامتنان. وقال جمع من المفسرين أكثرَ نفيراً من أعدائكم الذين أخرجوكم من دياركم، أي أفنى معظم البابليين في الحروب مع الفرس حتى صار عدد بني إسرائيل في بلاد الأسر أكثر من عدد البابليين. وقوله { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } من جملة المقضي في الكتاب مما خوطب به بنو إسرائيل، وهو حكاية لما في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب أرميا «وصلُّوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام».

السابقالتالي
2 3 4 5