الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }

عود إلى إبطال تعدد الآلهة زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها، فالجملة استئناف ابتدائي بعد جملةولا تجعل مع اللَّه إلٰهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً } الإسراء 39. والمخاطب بالأمر بالقول هو النبي لدمغهم بالحجة المقنعة بفساد قولهم. وللاهتمام بها افتتحت ب قل } تخصيصاً لهذا بالتبليغ وإن كان جميع القرآن مأموراً بتبليغه. وجملة { كما تقولون } معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له وإنما هو مجرد قول عار عن المطابقة لما في نفس الأمر. وابتغاء السبيل طلب طريق الوصول إلى الشيء، أي توخيه والاجتهاد لإصابته، وهو هنا مجاز في توخي وسيلة الشيء. وقد جاء في حديث موسى والخضر ــــ عليهما السلام ــــ أن موسى سأل السبيل إلى لُقيا الخضر. و إذن دالة على الجواب والجزاء فهي مؤكدة لمعنى الجواب الذي تدل عليه اللام المقترنة بجواب لو الامتناعية الدالة على امتناع حصول جوابها لأجل امتناع وقوع شرطها، وزائدة بأنها تفيد أن الجواب جزاء عن الكلام المجاب. فالمقصود الاستدلال على انتفاء إلهية الأصنام والملائكة الذين جعلوهم آلهة. وهذا الاستدلال يحتمل معنيين مآلهما واحد والمعنى الأول أن يكون المراد بالسبيل سبيل السعي إلى الغلبة والقهر، أي لطلبوا مغالبة ذي العرش وهو الله تعالى. وهذا كقوله تعالىوما كان معه من إلٰه إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } المؤمنون 91. ووجه الملازمة التي بني عليها الدليل أن من شأن أهل السلطان في العرف والعادة أن يتطلبوا توسعة سلطانهم ويسعى بعضهم إلى بعض بالغزو ويتألّبُوا على السلطان الأعظم ليسلبوه ملكه أو بَعضه، وقديماً ما ثارت الأمراء والسلاطين على ملك الملوك وسلبوه ملكه فلو كان مع الله آلهة لسلكوا عادة أمثالهم. وتمام الدليل محذوف للإيجاز يدل عليه ما يستلزمه ابتغاءُ السبيل على هذا المعنى من التدافع والتغالب اللازمين عرفاً لحالة طلب سبيل النزول بالقرية أو الحَي لقصد الغزو. وذلك المفضي إلى اختلال العالم لاشتغال مدبريه بالمقاتلة والمدافعة على نحو ما يوجد في ميثلوجيا اليونان من تغالب الأرباب وكَيد بعضهم لبعض، فيكون هذا في معنى قوله تعالىلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } الأنبياء 22. وهو الدليل المسمى ببرهان التمانع في علم أصول الدين، فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التمكن والظفر بالمطلوب. والابتغاء على هذا ابتغاء عن عداوة وكراهة. وقوله { كما تقولون } على هذا الوجه تنبيه على خطئهم، وهو من استعمال الموصول في التنبيه على الخطأ. والمعنى الثاني أن يكون المراد بالسبيل سبيل الوصول إلى ذي العرش، وهو الله تعالى، وصول الخضوع والاستعطاف والتقرب، أي لطلبوا ما يوصلهم إلى مرضاته كقولهيبتغون إلى ربهم الوسيلة }

السابقالتالي
2