الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }

لما ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله أعقب ذلك بأن في القرآن هدياً كافياً، ولكنهم يزدادون نفوراً من تدبره. فجملة { ولقد صرفنا في هذا القرآن } معترضة مقترنة بواو الاعتراض. والضمير عائد إلى الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله. والتصريف أصله تعدد الصرف، وهو النقل من جهة إلى أخرى. ومنه تصريف الرياح، وهو هنا كناية عن التبيين بمختلف البيان ومتنوعه. وتقدم في قوله تعالىانظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون } في سورة الأنعام 46. وحذف مفعول { صرفنا } لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول، أي، بينا البيان، أي ليذّكّروا ببيانه. ويذّكّروا أصله يتذكروا، فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما، وقد تقدم في أول سورة يونس، وهو من الذُكْر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان. وضمير { ليذكروا } عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قولهأفأصفاكم ربكم بالبنين } الإسراء 40 أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قولهأفأصفاكم ربكم } الإسراء 40، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين. وقوله { وما يزيدهم إلا نفوراً } تعجب من حالهم. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف { لِيَذْكُرُوا } بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ذكر الذي مصدره الذُّكر ــــ بضم الذال ــــ. وجملة { وما يزيدهم إلا نفوراً } في موضع الحال، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم. إذ كانوا يزدادون نفوراً من كلام فُصّل وبُين لتذكيرهم. وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود. والنفور هروب الوحشي والدابة بجَزع وخشيةٍ من الأذى. واستعير هنا لإعراضهم تنزيلاً لهم منزلة الدواب والأنعام.