{ وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } القرابة كلها متشعبة عن الأبوة فلا جرم انتقل من الكلام على حقوق الأبوين إلى الكلام على حقوق القرابة. وللقرابة حقّان حق الصلة، وحق المواساة. وقد جمعهما جنس الحق في قوله { حقه }. والحوالة فيه على ما هو معروف وعلى أدلة أخرى. والخطاب لغير معين مثل قوله{ إما يبلغن عندك الكبر } الإسراء 23. والعدول عن الخطاب بالجمع في قوله{ ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين } الإسراء 25 الآية إلى الخطاب بالإفراد بقوله { وآت ذا القربى } تفنن لتجنب كراهة إعادة الصيغة الواحدة عدة مرات، والمخاطب غير معين فهو في معنى الجمع. والجملة معطوفة على جملة{ ألا تعبدوا إلا إياه } الإسراء 23 لأنها من جملة ما قضى الله به. والإيتاء الإعطاء. وهو حقيقة في إعطاء الأشياء، ومجاز شائع في التمكين من الأمور المعنوية كحسن المعاملة والنصرة. ومنه قول النبي ورجل آتاه الله الحِكمة فهو يقضي بها الحديث. وإطلاق الإيتاء هنا صالح للمعنيين كما هي طريقة القرآن في توفير المعاني وإيجاز الألفاظ. وقد بينت أدلّة شرعية حقوق ذي القربى ومراتبها من واجبة مثل بعض النفقة على بعض القرابة مبينة شروطها عند الفقهاء، ومن غير واجبة مثل الإحسان. وليس لهاته تعلق بحقوق قرابة النبي لأن حقوقهم في المال تقررت بعد الهجرة لما فرضت الزكاة وشرعت المغانم والأفياء وقسمتها. ولذلك حمل جمهور العلماء هذه الآية على حقوق قرابة النسب بين الناس. وعن علي زين العابدين أنها تشمل قرابة النبي. والتعريف في { القربى } تعريف الجنس، أي القربى منك، وهو الذي يعبر عنه بأن ال عوض عن المضاف إليه. وبمناسبة ذكر إيتاء ذي القربى عطف عليه من يماثله في استحقاق المواساة. وحق المسكين هو الصدقة. قال تعالى{ ولا تحاضون على طعام المسكين } الفجر 18 وقوله{ أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة } البلد 14-16. وقد بينت آيات وأحاديث كثيرة حقوق المساكين وأعظمها آية الزكاة ومراتب الصدقات الواجبة وغيرها. { وابن السبيل } هو المسافر يمر بحي من الأحياء، فله على الحي الذي يمر به حق ضيافته. وحقوق الأضياف جاءت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة " وكانت ضيافة ابن السبيل من أصول الحنيفية مما سنّه إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ قال الحريري «وحُرمة الشيخ الذي سَن القِرى». وقد جعل لابن السبيل نصيب من الزكاة. وقد جمعت هذه الآية ثلاث وصايا مما أوصى الله به بقوله{ وقضى ربك } الآيات الإسراء 23. فأما إيتاء ذي القربى فالمقصد منه مقارب للمقصد من الإحسان للوالدين رعياً لاتحاد المنبت القريب وشدًّا لآصرة العشيرة التي تتكون منها القبيلة.