الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } لا شك أن لنزول هذه الآية سبباً خاصاً إذ لا موجب لذكر هذا التخيير بين دعاء الله تعالى باسمه العَلَم وبين دعائه بصفة الرحمان خاصة دون ذكر غير تلك الصفة من صفات الله مثل الرحيم أو العزيز وغيرهما من الصفات الحسنى. ثم لا بد بعد ذلك من طلب المناسبة لوقوعها في هذا الموضع من السورة. فأما سبب نزولها فروى الطبري والواحدي عن ابن عباس قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً يدعو يا رحمان يا رحيم، فقال المشركون هذا يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل الله تعالى { قل ادعوا اللَّه أو ادعو الرحمٰن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } " وعليه فالاقتصار على التخيير في الدعاء بين اسم الله وبين صفة الرحمان اكتفاء، أي أو الرحيم. وفي «الكشاف» عن ابن عباس " سمع أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا الله يا رحمان. فقال أبو جهل إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر " وأخرجه ابن مردويه. وهذا أنسب بالآية لاقتصارها على اسم الله وصفة الرحمان. وأما موقعها هنا فيتعين أن يكون سبب نزولها حدثَ حين نزول الآية التي قبلها. والكلام رد وتعليم بأن تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى، وشتان بين ذلك وبين دعاء المشركين آلهة مختلفة الأسماء والمسميات، والتوحيد والإشراك يتعلقان بالذوات لا بالأسماء. و أي اسم استفهام في الأصل، فإذا اقترنت بها ما الزائدة أفادت الشرط كما تفيده كيف إذا اقترنت بها ما الزائدة. ولذلك جزم الفعل بعدها وهو { تدعوا } شرطاً، وجيء لها بجواب مقترن بالفاء، وهو { فله الأسماء الحسنى }. والتحقيق أن { فله الأسماء الحسنى } علة الجواب. والتقدير أي اسم من أسمائه تعالى تَدعون فلا حرج في دعائه بعدة أسماء إذ له الأسماء الحسنى وإذ المسمى واحد. ومعنى { ادعوا اللَّه أو ادعوا الرحمن } ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم، أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا، فالمسمى واحد. وعلى هذا التفسير قد وقع تجوز في فعل { ادعوا } مستعملاً في معنى اذكروا أو سموا في دعائكم. ويجوز أن يكون الدعاء مستعملاً في معنى سمّوا، وهو حينئذٍ يتعدى إلى مفعولين. والتقدير سموا ربكم اللّهَ أو سموه الرحمان، وحذف المفعول الأول من الفعلين وأبقي الثاني لدلالة المقام. { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } لا شك أن لهذه الجملة اتصالاً بجملة { قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن } يؤيد ما تقدم في وجه اتصال قوله { قل ادعوا الله أو ادعو الرحمن } بالآيات التي قبله، فقد كان ذلك بسبب جهر النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه باسم الرحمان.

السابقالتالي
2