الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ }

موقع فاء التّفريع هنا خفيّ ودقيق، ولذلك تصدّى بعض حذّاق المفسّرين إلى البحث عنه. فقال في «الكشاف» «لما ذكر العمل الصالح ووعد عليه وصل به قوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } إيذاناً بأن الاستعاذة من جملة الأعمال التي يجزل عليها الثواب» اهــــ. وهو إبداء مناسبة ضعيفة لا تقتضي تمكّن ارتباط أجزاء النظم. وقال فخر الدين «لما قالولنجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } سورة النحل 97 أرشد إلى العلم الذي تَخلُص به الأعمال من الوسواس اه. وهو أمكن من كلام الكشاف. وزاد أبو السعود «لما كان مدار الجزاء هو حسن العمل رتّب عليه الإرشاد إلى ما به يحسن العَمل الصالح بأن يخلُص من شوب الفساد». وفي كلاميهما من الوهن أنه لا وجه لتخصيص الاستعاذة بإرادة قراءة القرآن. وقول ابن عطية «الفاء في { فإذا } واصلة بين الكلامين والعرب تستعملها في مثل هذا»، فتكون الفاء على هذا لمجرّد وصل كلام بكلام واستشهد له بالاستعمال والعهدة عليه. وقال شرف الدين الطيبي «قوله تعالى { فإذا قرأت القرآن } متّصل بالفاء بما سبق من قوله تعالىونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } سورة النحل 89. وذلك لأنه تعالى لما منّ على النبي بإنزال كتاب جامع لصفات الكمال وأنه تبيان لكل شيء، ونبّه على أنه تبيان لكل شيء بالكلمة الجامعة وهي قوله تعالىإن الله يأمر بالعدل والإحسان } سورة النحل 90 الآية. وعطف عليهوأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } سورة النحل 91، وأكّده ذلك التأكيد، قال بعد ذلك { فإذا قرأت القرآن } ، أي إذا شرعت في قراءة هذا الكتاب الشريف الجامع الذي نُبهتَ على بعض ما اشتمل عليه، ونازعك فيه الشيطان بهمزه ونفثه فاستعذ بالله منه والمقصود إرشاد الأمّة» ا هــــ. وهذا أحسن الوجوه وقد انقدح في فكري قبل مطالعة كلامه ثم وجدته في كلامه فحمدت الله وترحّمته عليه. وعليه فما بين جملةونزلنا عليك الكتاب تبياناً } النحل 89 الخ، وجملة { فإذا قرأت القرآن } جملة معترضة. والمقصود بالتفريع الشروع في التنويه بالقرآن. وإظهار اسم { القرآن } دون أن يضمر للكتاب لأجل بعد المعاد. والأظهر أن { قرأت } مستعمل في إرادة الفعل، مثل قوله تعالىإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } سورة المائدة 6، وقولهوأوفوا الكيل إذا كلتم } سورة الإسراء 35 وقولهوالذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } سورة المجادلة 3، أي يريدون العَود إلى أزواجهم بقرينة قوله بعدهمن قبل أن يتماسا } في سورة المجادلة 3، وقوله تعالىوليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريّة ضعافا } في سورة النساء 9، أي أوشكوا أن يتركوا بعد موتهم، وقولهوإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } سورة الأحزاب 53، أي إذا أردتم أن تسألوهن، وفي الحديث إذا بايعت فقل لا خلابة.

السابقالتالي
2 3 4