الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ }

عطف جزء من قصة قوم لوط وهو الجزء الأهم فيها. ومجيء أهل المدينة إليه ومحاورته معهم كان قبل أن يعلم أنهم ملائكة ولو علم ذلك لما أشفق مما عزم عليه أهل المدينة لمّا علم بما عزموا عليه بعد مجادلتهم معه، كما جاء في قوله تعالىقالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } في سورة هود 81. والواو لا تفيد ترتيب معطوفها. ويجوز جعل الجملة في موضع الحال من ضمير لوط المستتر في فعلقال إنكم قوم منكرون } سورة الحجر 62، أو من الهاء في { إليه } ، ولا إشكال حينئذٍ. والمدينة هي سدوم. و { يستبشرون } يفرحون ويسرون. وهو مطاوع بشره فاستبشر، قال تعالىفاستبشروا ببيعكم } في سورة براءة 111. وصيغ بصيغة المضارع لإفادة التجدد مبالغة في الفرح. ذلك أنهم علموا أن رجالاً غرباء حلوا ببيت لوط عليه السلام ففرحوا بذلك ليغتصبوهم كعادتهم السيئة. وقد تقدمت القصة في سورة هود. والفضح والفضيحة شهرة حال شنيعة. وكانوا يتعيرون بإهانة الضيّف ويعد ذلك مذلة لمُضيفه. وقد ذكرهم بالوازع الديني وإن كانوا كفاراً استقصاء للدعوة التي جاء بها، وبالوازع العرفي فقال { واتقوا الله ولا تخزون } كما في قول عبد بني الحسحاس
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا   
والخزي الذلّ والإهانة. وتقدم في قوله تعالىإلا خزي في الحياة الدنيا } في أوائل سورة البقرة 85. وتقدم في مثل هذه القصة في سورة هود.