الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } * { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ }

تفريع على حكاية قصتهم مع إبراهيم وقد طوي ما هو معلوم من خروج الملائكة من عند إبراهيم. والتقدير ففارقوه وذهبوا إلى لوط فلما جاءوا لوطاً. وعُبر بآل لوط ــــ عليه السلام ــــ لأنهم نزلوا في منزلة بين أهله فجاءوا آله وإن كان المقصود بالخطاب والمجيء هو لوط. وتولى لوط ــــ عليه السلام ــــ تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم { إنكم قوم منكرون } ، أي لا تعرف قبيلتكم. وتقدم عند قوله تعالىنكرهم } في سورة هود 70 وقد أجابوه بما يزيل ذلك إذ { قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون } إضراباً عن قوله { إنكم قوم منكرون } وإبطالاً لما ظنه من كونهم من البشر الذين لم يعرف قبيلتهم فلا يأمنهم أن يعاملوه بما يضرّه. وعبر عن العذاب بــــ «ما كانوا فيه يمترون» إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التعذيب، أي بالأمر الذي كان قومك يشكون في حلوله بهم وهو العذاب، فعلم أنهم ملائكة. والمراد بالحق الخبر الحق، أي الصدق، ولذلك ذيل بجملة { وإنا لصادقون }. وقوله { قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون } حكاية لخطاب الملائكة لوطا ــــ عليه السلام ــــ لمعنى عباراتهم محولة إلى نظم عربي يفيد معنى كلامهم في نظم عربي بليغ، فبِنَا أن نبيّن خصائص هذا النظم العربي فإعادة فعل { أتيناك } بعد واو العطف مع أن فعل { أتيناك } مرادف لفعل { جئناك } دون أن يقول و { بالحق } ، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف. والتعبيرُ في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد، كقوله تعالى في سورة الفرقان 33ولا يأتونك بمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيراً } وعليه تكون الباء في قوله { بما كانوا فيه يمترون } وقوله { بالحق } للملابسة. ويحتمل أن تكون لِذكر الفعل الثاني وهو { وأتيناك } خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به. فلما كان المتعلق بفعل { جئناك } أمراً حسياً وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنًى كالحقيقي، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساوٍ للحقيقي، أوثر فعل { جئناك } ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به «ما كانوا فيه يمترون». وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب، فموقع قوله تعالى { بما كانوا فيه يمترون } مَوقع مفعول به، كما تقول ذهبتُ به بمعنى أذهبتُه وإن كنتَ لم تذهب معه، ألاَ ترى إلى قوله تعالىفإما نذهبنّ بك } سورة الزخرف 41 أي نُذهبك من الدنيا، أي نميتك.

السابقالتالي
2