الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } * { قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } * { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } * { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } * { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ }

هذا العطف مع اتحاد الفعل المعطوف بالفعل المعطوف عليه في الصيغة دليل على أن المقصود الإنباء بكلا الأمرين لمناسبة ذكر القصة أنها من مظاهر رحمته تعالى وعذابه. و { ضيف إبراهيم } الملائكة الذين تشكلوا بشكل أناس غرباء مارّين ببيته. وتقدمت القصة في سورة هود. وجملة { قال إنا منكم وجلون } جاءت مفصولة بدون عطف لأنها جواب عن جملة { فقالوا سلاماً }. وقد طوي ذكر رده السلام عليهم إيجازاً لظهوره. صُرح به في قولهقال سلام قوم منكرون } سورة الذاريات 25، أي قال إنا منكم وجلون بعد أن رد السلام. وفي سورة هود أنه أوجس منهم خِيفة حين رآهم لم يمدّوا أيديهم للأكل. وضمير { إنا } من كلام إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ فهو يعني به نفسه وأهله، لأن الضيف طرقوا بيتهم في غير وقت طروق الضيف فظنّهم يريدون به شراً، فلما سلموا عليه فاتحهم بطلب الأمْن، فقال { إنا منكم وجلون } ، أي أخفتمونا. وفي سورة الذاريات أنه قال لهمقوم منكرون } سورة الحجر 62. والوجِل الخائف. والوجَل بفتح الجيم الخوف. ووقع في سورة هود 70نكِرهم وأوجس مِنهم خِيفة } وقد جُمع في هذه الآية متفرق كلام الملائكة، فاقتصر على مجاوبتهم إياه عن قوله { إنا منكم وجلون } ، فنِهاية الجواب هو { لا توجل }. وأما جملة { إنا نبشرك بغلام عليم } فهي استئناف كلام آخر بعد أن قدّم إليهم القِرى وحضرت امرأته فبشّروه بحضرتها كما فُصّل في سورة هود. والغلام العليم إسحاق ــــ عليه السلام ــــ أي عليم بالشريعة بأن يكون نبيئاً. وقد حكي هنا قولهم لإبراهيم ــــ عليه السلام ــــ، وحكي في سورة هود قولهم لامرأته لأن البشارة كانت لهما معاً فقد تكون حاصلة في وقت واحد فهي بشارتان باعتبار المبشّر، وقد تكون حصلت في وقتين متقاربين بشّروه بانفراد ثم جاءت امرأته فبشروها. وقرأ الجمهور { نبشرك } ــــ بضم النون وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة مضارع بشر بالتشديد ــــ. وقرأ حمزة وحده { نَبْشُرُكَ } ــــ بفتح النون وسكون الموحدة وضم الشين ــــ وهي لغة. يقال بشَرَه يبشره من باب نصر. والاستفهام في { أبشرتموني } للتعجب. و { على } بمعنى مع دالة على شدة اقتران البشارة بمسّ الكبر إياه. والمسّ الإصابة. والمعنى تعجب من بشارته بولد مع أن الكبر مسّه. وأكد هذا التعجب بالاستفهام الثاني بقوله { فَبِمَ تُبَشِّرُونِ } استفهام تعجب. نُزل الأمر العجيب المعلوم منزلة الأمر غير المعلوم لأنه يكاد يكون غير معلوم. وقد علم إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ من البشارة أنهم ملائكة صادقون فتعين أن الاستفهام للتعجب. وحذف مفعول «بشرتموني» لدلالة الكلام عليه. قرأ نافع { تبشرونِ } ــــ بكسر النون مخففة دون إشباع ــــ على حذف نون الرفع وحذف ياء المتكلم وكل ذلك تخفيف فصيح.

السابقالتالي
2