الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ }

هذا تصدير لذكر القصص التي أريد من التذكير بها الموعظة بما حلّ بأهلها، وهي قصة قوم لوط وقصة أصحاب الأيكة وقصة ثمود. وابتدىء ذلك بقصة إبراهيم ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ لما فيها من كرامة الله له تعريضاً بالمشركين إذ لم يقتفوا آثاره في التوحيد. فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وهو مرتبط بقوله في أوائل السورةوما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم } سورة الحجر 4. وابتداء الكلام بفعل الإنباء لتشويق السامعين إلى ما بعده كقوله تعالىهل أتاك حديث الجنود } سورة البروج 17 ونحوه. والمقصود هو قوله تعالى الآتيونبئهم عن ضيف إبراهيم } سورة الحجر 51. وإنما قدم الأمر بإعلام الناس بمغفرة الله وعذابه ابتداء بالموعظة الأصلية قبل الموعظة بجزئيات حوادث الانتقام من المعاندين وإنجاء من بينهم من المؤمنين لأن ذلك دائر بين أثر الغفران وبين أثر العذاب. وقدمت المغفرة على العذاب لسبق رحمته غضبه. وضمير { أنا } وضمير { هو } ضميرا فصل يفيدان تأكيد الخبر. واعلم أن في قوله تعالى { نبىء عبادي } إلى { الرحيم } من المحسّنات البديعية محسّن الاتّزان إذا سكنت ياء { أني } على قراءة الجمهور بتسكينها، فإن الآية تأتي متزنة على ميزان بحر المجتث الذي لحقه الخبن في عروضه وضربه فهو متَفْعلن فَعِلاتن مرتين.