الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }

هذا اعتراض ناشىء عن قولهوأنبتنا فيها من كل شيء موزون } سورة الحجر 19 الآية. وفي الكلام حذف الصفة كقوله تعالىيأخذ كل سفينة غصباً } سورة الكهف 79 أي سفينةٍ صالحةٍ. والخزائن تمثيل لصلوحية القدرة الإلهية لتكوين الأشياء النافعة. شبهت هيئة إيجاد الأشياء النافعة بهيئة إخراج المخزونات من الخزائن على طريقة التمثيلية المَكنية، ورُمز إلى الهيئة المشبّه بها بما هو من لوازمها وهو الخزائن. وتقدم عند قوله تعالىقل لا أقول لكم عندي خزائن الله } في سورة الأنعام 50. وشمل ذلك الأشياء المتفرقة في العالم التي تصل إلى الناس بدوافع وأسباب تستتب في أحوال مخصوصة، أو بتركيب شيء مع شيء مثل نزول البَرد من السحاب وانفجار العيون من الأرض بقصد أو على وجه المصادفة. وقوله { وما ننزله إلا بقدر معلوم } أطلق الإنزال على تمكين الناس من الأمور التي خلقها الله لنفعهم، قال تعالىهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } في سورة البقرة 29، إطلاقاً مجازياً لأن ما خلقه الله لمّا كان من أثر أمر التكوين الإلهي شبّه تمكين الناس منه بإنزال شيء من علو باعتبار أنه من العالم اللدني، وهو علو معنوي، أو باعتبار أن تصاريف الأمور كائن في العوالم العلوية، وهذا كقوله تعالىوأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } في سورة الزمر 6، وقوله تعالىيتنزل الأمر بينهن } في سورة الطلاق 12. والقَدر بفتح الدال التقدير. وتقدم عند قوله تعالىفسالت أودية بقدرها } في سورة الرعد 17. والمراد { بمعلوم } أنه معلوم تقديره عند الله تعالى.