الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

{ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ }. قرأ نافع، وابن عامر، وأبو جعفر ــــ برفع اسم الجلالة ــــ على أنه خبر عن مبتدإ محذوف. والتقدير هو أي العزيزُ الحميد اللّهُ الموصوف بالذي له ما في السماوات الأرض. وهذا الحذف جارٍ على حذف المسند إليه المسمى عند علماء المعاني تبعاً للسكاكِي بالحَذف لمتابعة الاستعمال، أي استعمال العرب عندما يجري ذكر موصوف بصفات أن ينتقلوا من ذلك إلى الإخبار عنه بما هو أعظم مما تقدم ذكره ليكسب ذلك الانتقال تقريراً للغرض، كقول إبراهيم الصولي
سأشكر عَمْراً إن تراختْ منيتــي أياديَ لم تُمْنَنْ وإنْ هيَ جَلّــت فَتى غيرُ محجوب الغنى عن صديقـه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلــت   
أي هو فتى من صفته كيت وكيت. وقرأه الباقون إلاّ رُويْساً عن يعقوب ــــ بالجَرّ ــــ على البدلية من { العزيز الحميد } ، وهي طريقة عربية. ومآل القراءتين واحد وكلتا الطريقتين تفيد أن المنتقل إليه أجدر بالذكر عقب ما تقدمه، فإن اسم الجلالة أعظم من بقية الصفات لأنه عَلَم الذات الذي لا يشاركه موجود في إطلاقه ولا في معناه الأصلي المنقول منه إلى العلمية إلا أن الرفع أقوى وأفخم. وقرأه رُوَيْس عن يعقوب ــــ بالرفع ــــ إذا وقف على قوله { الحميد } وابتدىء باسم { الله } ، فإذا وصل { الحميد } باسم { الله } جر اسم الجلالة على البدلية. وإجراء الوصف بالموصول على اسم الجلالة لزيادة التفخيم لا للتعريف، لأن ملك سائر الموجودات صفة عظيمة والله معروف بها عند المخاطبين. وفيه تعريض بأن صراط غير الله من طرق آلهتهم ليس بواصل إلى المقصود لنقصان ذويه. وفي ذكر هذه الصلة إدماجُ تعريض بالمشركين الذين عبدوا ما ليس له السماوات والأرض. { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } لمّا أفاد قوله { إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السمٰوات وما في الأرض } تعريضاً بالمشركين الذين اتبعوا صراط غير الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض عطف الكلام إلى تهديدهم وإنذارهم بقوله { وويل للكافرين من عذاب شديد } ، أي للمشركين به آلهة أخرى. وجملة { وويل للكافرين } إنشاء دعاء عليهم في مقام الغضب والذم، مثل قولهم ويحك، فعطفه من عطف الإنشاء على الخبر. { وويل } مصدر لا يعرف له فعل، ومعناه الهلاك وما يقرب منه من سوء الحالة، ولأنه لا يُعرف له فعل كان اسم مصدر وعومل معاملة المصادر، ينصب على المفعولية المطلقة ويرفع لإفادة الثبات، كما تقدم في رفع { الحمد لله } في سورة الفاتحة. ويقال ويل لك وويلك، بالإضافة. ويقال يا ويلك، بالنداء.

السابقالتالي
2