الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ }

استئناف ابتدائي يرتبط بقولهالذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم } سورة الرعد 29. ذُكر هنا بمناسبة ذكر ضدّه في قولهولعذاب الآخرة أشق } الرعد 34. والمثَل هنا الصفة العجيبة، قيل هو حقيقة من معاني المثل، كقوله تعالىولله المثَل الأعلى } النحل 60، وقيل هو مستعار من المثَل الذي هو الشبيه في حالة عجيبة أطلق على الحالة العجيبة غير الشبيهة لأنها جديرة بالتشبيه بها. وجملة { تجري من تحتها الأنهار } خبر عن { مَثَل } باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه، فهي من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين، كما يقال صفة زيد أسمر. وجملة { أكلها دائم } خبر ثان، والأكل بالضم المأكول، وتقدم. ودوام الظل كناية عن التفاف الأشجار بحيث لا فراغ بينها تنفذ منه الشمس، كما قال تعالىوجنات ألفافاً } سورة النبأ 16، وذلك من محامد الجنات وملاذّها. وجملة { تلك عقبى الذين اتقوا } مستأنفة. والإشارة إلى الجنة بصفاتها بحيث صارت كالمشاهدة، والمعنى تلك هي التي سمعتم أنها عقبى الدار للذين يوفون بعهد الله إلى قولهويدرأون بالحسنة السيّئة } سورة الرعد 24 إلى قولهفنعم عقبى الدار } سورة الرعد 24 هي الجنة التي وعد المتّقون. وقد علم أن الذين اتقوا هم المؤمنون الصالحون كما تقدم. وأول مراتب التقوى الإيمان. وجملة { وعقبى الكافرين النار } مستأنفة للمناسبة بالمضادة. وهي كالبيان لِجملة { ولهم سوء الدار }.