الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام مؤخرة من تقديم لأن همزة الاستفهام لها الصدارة. فتقدير أصل النظم فأمن هو قائم. فالفاء لتفريع الاستفهام وليس الاستفهام استفهاماً على التفريع، وذلك هو الوجه في وقوع حروف العطف الثلاثة الواو والفاء وثم بعد الاستفهام وهو رأي المحقيقين، خلافاً لمن يجعلون الاستفهام وارداً على حرف العطف وما عَطفه. فالفاء تفريع على جملةقل هو ربي لا إلٰه إلا هو عليه توكلت } الرعد 30 المجابِ به حكاية كفرهم المضمن في جملةوهم يكفرون بالرحمٰن } الرعد 30، فالتفريع في المعنى على مجموع الأمرين كفرهم بالله، وإيمان النبي بالله. ويجوز أن تكون تفريعاً على جملةولو أن قرآناً سيرت به الجبال } الرعد 31، فيكون ترقياً في إنكار سؤالهم إتيان معجزة غير القرآن، أي إن تعجب من إنكارهم آيات القرآن فإن أعجب منه جعلهم القائم على كل نفس بما كسبت مماثلاً لمن جعلوهم لله شركاء. واعتُرض أثرَ ذلك بردّ سُؤالهم أن تُسيّر الجبال أو تُقَطّع الأرض أو تُكلّم الموتى، وتذكيرهم بما حل بالمكذبين من قبلهم مع إدماج تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم فرع على ذلك الاستفهام الإنكاري. وللمفسرين في تصوير نظم الآية محامل مختلفة وكثير منها متقاربة، ومرجع المتجه منها إلى أن في النظم حذفاً يدل عليه ما هو مذكور فيه، أو يدل عليه السياق. والوجه في بيان النظم أن التفريع على مجموع قوله { وهم يكفرون بالرحمٰن قل هو ربي لا إلٰه إلا هو } أي أن كفرهم بالرحمان وإيمانك بأنه ربّك المقصورة عليه الربوبية يُتفرع على مجموع ذلك استفهامُهم استفهامَ إنكار عليهم تسويتهم من هو قائم على كلّ نفس بمن ليس مثله من جعلوهم له شركاء، أي كيف يشركونهم وهم ليسوا سواء مع الله. وما صدق { من هو قائم على كلّ نفس } هو الله الإله الحق الخالق المدبّر. وخبر { من هو قائم } محذوف دلت عليه جملة { وجعلوا لله شركاء }. والتقدير أمن هو قائم على كل نفس ومن جعلوهم به شركاء سواء في استحقاق العبادة. دل على تقديره ما تقتضيه الشركة في العبادة من التسوية في الإلهية واستحقاق العبادة. والاستفهام إنكار لتلك التسوية المفاد من لفظ { شركاء }. وبهذا المحذوف استغني عن تقدير معادل للهمزة كما نبّه عليه صاحب «مغني اللّبيب»، لأن هذا المقدّر المدلول عليه بدليل خاص أقوى فائدة من تقدير المعادل الّذي حاصله أن يقدر أم من ليس كذلك. وسيأتي قريباً بيان موقع { وجعلوا لله شركاء }. والعدول عن اسم الجلالة إلى الموصول في قوله { أفمن هو قائم } لأن في الصلة دليلاً على انتفاء المساواة، وتخطئة لأهل الشرك في تشريك آلهتهم لله تعالى في الإلهية، ونداء على غباوتهم إذ هم معترفون بأن الله هو الخالق.

السابقالتالي
2 3 4