الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

الاستفهام مستعمل في التوبيخ. و { هل } مفيدة للتحْقيق لأنها بمعنى { قد } في الاستفهام. فهو توبيخ على ما يعلمونه محققاً من أفعالهم مع يوسف عليه السلام وأخيه، أي أفعالهم الذميمة بقرينة التوبيخ، وهي بالنسبة ليوسف عليه السلام واضحة، وأما بالنسبة إلى بنيامين فهي ما كانوا يعاملونه به مع أخيه يوسف عليه السلام من الإهانة التي تنافيها الأخوة، ولذلك جعل ذلك الزمن زمن جهالتهم بقوله { إذ أنتم جاهلون }. وفيه تعريض بأنهم قد صلح حالهم من بعد. وذلك إما بوحي من الله إن كان صار نبيئاً أو بالفراسة لأنه لما رآهم حريصين على رغبات أبيهم في طلب فداء بنيامين حين أُخذ في حكم تهمة السرقة وفي طلب سراحه في هذا الموقف مع الإلحاح في ذلك وكان يعرف منهم معاكسة أبيهم في شأن بنيامين علم أنهم ثابوا إلى صلاح. وإنما كاشفهم بحاله الآن لأن الاطلاع على حاله يقتضي استجلاب أبيه وأهله إلى السكنى بأرض ولايته، وذلك كان متوقفاً على أشياء لعلها لم تتهيأ إلا حينئذٍ. وقد أشرنا إلى ذلك عند قوله تعالىقال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } يوسف 79 فقد صار يوسف عليه السلام جِدّ مكين عند فرعون. وفي الإصحاح 45 من سفر التكوين أن يوسف عليه السلام قال لإخوته حينئذٍ وهو أي الله قد جعلني أباً لفرعون وسيداً لكل بيته ومتسلطاً على كل أرض مصر. فالظاهر أن الملك الذي أطلق يوسف عليه السلام من السجن وجعله عزيز مصر قد توفّي وخلفه ابن له فحجبه يوسفُ عليه السلام وصار للملك الشاب بمنزلة الأب، وصار متصرّفاً بما يريد، فرأى الحال مساعداً لجلب عشيرته إلى أرض مصر. ولا تعرف أسماء ملوك مصر في هذا الزمن الذي كان فيه يوسف عليه السلام لأن المملكة أيامئذٍ كانت منقسمة إلى مملكتين إحداهما ملوكها من القبط وهم الملوك الذين يُقسمهم المؤرخون الإفرنج إلى العائلات الخامسة عشرة، والسادسة عشرة، والسابعة عشرة، وبعض الثامنة عشرة. والمملكة الثانية ملوكها من الهكسوس، ويقال لهم العمالقة أو الرعاة وهم عَرب. ودام هذا الانقسام خمسمائة سنة وإحدى عشرة سنة من سنة 2214 قبل المسيح إلى سنة 1703 قبل المسيح. وقولهم { أإنك لأنت يوسف } يدل على أنهم استشعروا من كلامه ثم من ملامحه ثم من تفهم قَول أبيهم لهم { وأعلم من الله ما لا تعلمون } إذ قد اتضح لهم المعنى التعريضي من كلامه فعرفوا أنه يتكلم مريداً نفسه. وتأكيد الجملة بــــ { إنّ } ولام الابتداء وضمير الفصل لشدة تحققهم أنه يوسف ــــ عليه السلام ــــ. وأدخل الاستفهام التقريري على الجملة المؤكّدة لأنهم تطلبوا تأييده لعلِمهم به. وقرأ ابن كثير { إنك } بغير استفهام على الخبرية، والمراد لازم فائدة الخبر، أي عرفناك، ألا ترى أن جوابه بــــ { أنَا يوسف } مجرد عن التأكيد لأنهم كانوا متحققين ذلك فلم يبق إلا تأييده لذلك.

السابقالتالي
2 3