الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } * { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

تقدم الكلام على نظير قوله { فلما جهزهم بجهازهم } في الآيات قبل هذه. وإسناد جعل السقاية إلى ضمير يوسف مجاز عقليّ، وإنما هو آمر بالجعل والذين جعلوا السقاية هم العبيد الموكّلون بالكيل. والسقاية إناء كبير يُسقى به الماء والخمر. والصُّوَاع لغة في الصاع، وهو وعاء للكيل يقَدّر بوزن رطل وربع أو وثلث. وكانوا يشربون الخمر بالمقدار، يقدّر كل شارب لنفسه ما اعتاد أنه لا يصرعه، ويجعلون آنية الخمر مقدّرة بمقادير مختلفة، فيقول الشارب للساقي رطلاً أو صاعاً أو نحو ذلك. فتسمية هذا الإناء سقاية وتسميته صُوَاعاً جارية على ذلك. وفي التوراة سمي طاسا، ووصف بأنه من فضة. وتعريف { السقاية } تعريف العهد الذهني، أي سقاية معروفة لا يخلو عن مثلها مجلس العظيم. وإضافة الصُّواع إلى الملك لتشريفه، وتهويل سرقته على وجه الحقيقة، لأن شؤون الدولة كلها للمَلك. ويجوز أن يكون أطلق الملك على يوسف ــــ عليه السلام ــــ تعظيماً له. والتأذين النداء المكرر. وتقدم عند قوله تعالىفأذن مؤذن بينهم } في سورة الأعراف 44. والعِير اسم للحمولة من إبل وحَمير وما عليها من أحمال وما معها من ركابها، فهو اسم لمجموع هذه الثلاثة. وأسندت السرقة إلى جميعهم جريا على المعتاد من مؤاخذة الجماعة بجرم الواحد منهم. وتأنيث اسم الإشارة وهو { أيتها } لتأويل العير بمعنى الجماعة لأن الركاب هم الأهم. وجملة { قالوا } جواب لنداء المنادي إياهم { إنكم لسارقون } ، ففصلت الجملة لأنها في طريقة المحاورة كما تكرر غير مرة. وضمير { قالوا } عائد إلى العير. وجملة { وأقبلوا عليهم } حال من ضمير { قالوا }. ومرجع ضمير { أقبلوا } عائد إلى فتيان يوسف ـــ عليه السلام ـــ. وضمير { عليهم } راجع إلى ما رجع إليه ضمير { قالوا } ، أي وقد أقبل عليهم فتيان يوسف ــــ عليه السلام ــــ. وجعلوا جعلا لمن يأتي بالصواع. والذي قال { وأنا به زعيم } واحد من المقبلين وهو كبيرهم. والزعيم الكفيل. وهذه الآية قد جعلها الفقهاء أصلاً لمشروعية الجعل والكفالة. وفيه نظر، لأن يوسف ــــ عليه السلام ــــ لم يكن يومئذٍ ذا شَرْع حتى يستأنس للأخذ بــــ أنّ شَرْعَ من قَبْلنا شَرْع لنا إذا حكاه كلام الله أو رسوله. ولو قدّر أن يوسف ــــ عليه السلام ــــ كان يومئذٍ نبيّاً فلا يثبت أنه رسول بشرع، إذ لم يثبت أنه بعث إلى قوم فرعون، ولم يكن ليوسف ــــ عليه السلام ــــ أتباع في مصر قبْل ورود أبيه وإخوتهِ وأهلِيهم. فهذا مأخذ ضعيف. والتاء في { تاللَّه } حرف قَسم على المختار، ويختص بالدخول على اسم الله تعالى وعلى لفظ رَب، ويختص أيضاً بالمُقسم عليه العجيب. وسيجيء عند قوله تعالىوتالله لأكيدن أصنامكم } في سورة الأنبياء 57.

السابقالتالي
2