الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }

هذا عطف جزء من قصة على جزء منها تكملة لوصف خلاص يوسف ـــ عليه السّلام ـــ من السجن. والتعريف في { الملك } للعهد، أي ملك مصر. وسماه القرآن هنا ملكاً ولم يسمه فرعونَ لأن هذا الملك لم يكن من الفراعنة ملوك مصر القبط، وإنما كان ملكاً لمصر أيامَ حَكَمَها الهِكسوس، وهم العمالقة، وهم من الكنعانيين، أو من العرب، ويعبر عنهم مؤرخو الإغريق بملوك الرعاة، أي البَدو. وقد ملكوا بمصر من عام 1900 إلى عام 1525 قبل ميلاد المسيح ـــ عليه السّلام ـــ. وكان عصرهم فيما بين مدة العائلة الثالثة عشرة والعائلة الثامنة عشرة من ملوك القبط، إذ كانت عائلات ملوك القبط قد بقي لها حكم في مصر العليا في مدينة طِيبة كما تقدم عند قوله تعالىوقال الذي اشتراه } سورة يوسف 21. وكان ملكهم في تلك المدة ضعيفاً لأن السيادة كانت لملوك مصر السفلى. ويقدّر المؤرخون أن ملك مصر السفلى في زمن يوسف عليه السّلام كان في مدة العائلة السابعة عشرة. فالتعبير عنه بالملك في القرآن دون التعبير بفرعون مع أنه عبّر عن ملك مصر في زمن موسى عليه السّلام بلقب فرعون هو من دقائق إعجاز القرآن العلمي. وقد وقع في التوراة إذ عبر فيها عن ملك مصر في زمن يوسف عليه السّلام فرعون وما هو بفرعون لأن أمته ما كانت تتكلم بالقبطية وإنما كانت لغتهم كنعانية قريبَة من الآرامية والعربية، فيكون زمن يوسف عليه السّلام في آخر أزمان حكم ملوك الرعاة على اختلاف شديد في ذلك. وقوله { سِمانٍ } جمع سمينة وسَمين، مثل كرام، وهو وصف لـــ { بقرات }. و { عجاف } جمع عجفاء. والقياس في جمع عجفاء عُجف لكنه صيغ هنا بوزن فِعال لأجل المزاوجة لمقارنه وهو { سمان }. كما قال الشاعر
هتّاك أخبية ولاّج أبوية   
والقياس أبواب لكنه حمله على أخبية. والعجفاء ذات العَجَف بفتحتين وهو الهزال الشديد. و { وسبع سنبلات } معطوف على { سبع بقرات }. والسنبلة تقدمت في قوله تعالىكمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل } في سورة البقرة 261. والملأ أعيان الناس. وتقدم عند قوله تعالىقال الملأ من قومه } في سورة الأعراف 60. والإفتاء الإخبار بالفتوى. وتقدمت آنفاً عند قولهقضي الأمر الذي فيه تستفتيان } سورة يوسف 41. و { في } للظرفية المجازية التي هي بمعنى الملابسة، أي أفتوني إفتاء ملابساً لرؤياي ملابسة البيان للمجمل. وتقديم { للرؤيا } على عامله وهو { تعبرون } للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بالرؤيا في التعبير. والتعريف في { للرؤيا } تعريف الجنس. واللام في { للرؤيا } لام التقوية لضعف العامل عن العمل بالتأخير عن معموله. يقال عَبَر الرؤيا من باب نَصر. قال في «الكشاف» وعبَرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الأثبات. ورأيتهم ينكرون عبّرت بالتشديد والتعبير، وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب «الكامل» لبعض الأعراب

السابقالتالي
2 3