الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

عطف قصة على قصة، فلا يلزم أن تكون هذه القصة حاصلة في الوجود بعد التي قبلها. وقد كان هذا الحادث قبل إيتائه النبوءة لأن إيتاء النبوءة غلب أن يكون في سن الأربعين. والأظهر أنه أوتي النبوءة والرسالة بعد دخول أهله إلى مصر وبعد وفاة أبيه. وقد تعرضت الآيات لتقرير ثبات يوسف ـــ عليه السّلام ـــ على العفاف والوفاء وكرم الخلق. فالمراودة المقتضية تكرير المحاولة بصيغة المفاعلة، والمفاعلة مستعملة في التكرير. وقيل المفاعلة تقديرية بأن اعتبر العمل من جانب والممانعة من الجانب الآخر من العمل بمنزلة مقابلة العمل بمثله. والمراودة مشتقة من راد يرود، إذا جاء وذهب. شبه حال المحاول أحداً على فعل شيء مكرراً ذلك. بحال من يذهب ويجيء في المعاودة إلى الشيء المذهوب عنه، فأطلق راود بمعنى حاول. و { عن } للمجاوزة، أي راودته مباعدة له عن نفسه، أي بأن يجعل نفسه لها. والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أي فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه. وأما تعديته بـــ على فذلك إلى الشيء المطلوب حصوله. ووقع في قول أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم يراود عمه أبا طالب على الإسلام وفي حديث الإسراء «فقال له موسى قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه». والتعبير عن امرأة العزيز بطريق الموصولية في قوله { التي هو في بيتها } لقصد ما تؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف ـــ عليه السّلام ـــ لأن كونه في بيتها من شأنه أن يطوّعه لمرادها. و { بيتها } بيت سكناها الذي تبيت فيه. فمعنى { هو في بيتها } أنه كان حينئذٍ في البيت الذي هي به، ويجوز أن يكون المراد بالبيت المنزل كله، وهو قصر العزيز. ومنه قولهم ربة البيت، أي زوجة صاحب الدار ويكون معنى { هو في بيتها } أنه من جملة أتباع ذلك المنزل. وغلق الأبواب جَعْل كل باب سادّاً للفرجة التي هو بها. وتضعيف { غلّقت } لإفادة شدة الفعل وقوته، أي أغلقت إغلاقاً محكماً. والأبواب جمع باب. وتقدم في قوله تعالىادخلوا عليهم الباب } سورة المائدة 23. و { هَيتَ } اسم فعل أمر بمعنى بَادرْ. قيل أصلها من اللغة الحَوْرانية، وهي نبطية. وقيل هي من اللغة العبرانية. واللام في { لك } لزيادة بيان المقصود بالخطاب، كما في قولهم سقياً لك وشكراً لك. وأصله هيتَك. ويظهر أنها طلبت منه أمراً كان غير بدع في قصورهم بأن تستمتع المرأة بعبدها كما يستمتع الرجل بأمته، ولذلك لم تتقدم إليه من قبل بترغيب بل ابتدأته بالتمكين من نفسها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6