الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

عطف على جملةوما أكثر الناس } سورة يوسف 103 الخ. هاتان الآيتان متّصل معناهما بما تضمنه قوله تعالىذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } سورة يوسف 102 إلى قولهإن هو إلاّ ذكر للعالمين } سورة يوسف 104 وقولهقل هذه سبيلي } الآية سورة يوسف 108، فإن تلك الآي تضمنت الحجة على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما جاءهم به، وتضمنت أن الذين أشركوا غير مصدقينه عناداً وإعراضاً عن آيات الصدق. فالمعنى أن إرسال الرسل عليهم السلام سنّة إلٰهية قديمة فلماذا يَجعل المشركون نبوءتك أمراً مستحيلاً فلا يصدّقون بها مع ما قارنها من آيات الصدق فيقولون { أبعث الله بشراً رسولاً }. وهل كان الرسل ــــ عليهم السلام ــــ السابقون إلا رجالاً من أهل القرى أوحى الله إليهم فبماذا امتازوا عليك، فسلم المشركون ببعثتهم وتحدّثوا بقصصهم وأنكروا نبوءتك. وراء هذا معنى آخر من التذكير باستواء أحوال الرسل ــــ عليهم السلام ــــ وما لقوه من أقوامهم فهو وعيد باستواء العاقبة للفريقين. و { من قبلك } يتعلق بــــ { أرسلنا } فــــ { من } لابتداء الأزمنة فصار ما صدق القبل الأزمنة السابقة، أي من أول أزمنة الإرسال. ولولا وجود { من } لكان { قبلك } في معنى الصفة للمرسَلين المدلول عليهم بفعل الإرسال. والرجال اسم جنس جامد لا مفهوم له. وأطلق هنا مراداً به أناساً كقوله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ " ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " ، أي إنسان أو شخص، فليس المراد الاحتراز عن المرأة. واختير هنا دون غيره لِمطابقته الواقع فإن الله لم يرسل رسلاً من النساء لحكمة قبول قيادتهم في نفوس الأقوام إذ المرأة مستضعفة عند الرجال دون العكس ألا ترى إلى قول قيس بن عاصم حين تنبأت سَجَاحِ
أضحت نبيئتُنا أنثى نُطِيف بها وأصبحت أنبياءُ الناس ذكرانا   
وليس تخصيص الرجال وأنهم من أهل القرى لقصد الاحتراز عن النساء ومن أهل البادية ولكنه لبيان المماثلة بين مَن سلّموا برسالتهم وبين محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ حين قالوافليأتنا بآية كما أرسل الأولون } الأنبياء 5 وقالوا لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى } القصص 48، أي فما كان محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ بِدعاً من الرسل حتى تبادروا بإنكار رسالته وتُعرضوا عن النظر في آياته. فالقصر إضافي، أي لم يكن الرسل ــــ عليهم السلام ــــ قبلك ملائكةً أو ملوكاً من ملوك المدن الكبيرة فلا دلالة في الآية على نفي إرسال رسول من أهل البادية مثل خالد بن سنان العبسي، ويعقوب ــــ عليه السلام ــــ حين كان ساكناً في البَدْو كما تقدم. وقرأ الجمهور، { يُوحَى } ــــ بتحتية وبفتح الحاء ــــ مبنياً للنائب، وقرأه حفص بنون على أنه مبني للفاعل والنون نون العظمة.

السابقالتالي
2 3