الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } * { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ }

عطف على جملةوما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف 103، أي ليس إعراضهم عن آية حصول العلم للأمّي بما في الكتب السالفة فحسب بل هم معرضون عن آيات كثيرة في السماوات والأرض. و { كأين } اسم يدل على كثرة العدد المبهم يبينه تمييز مجرور بــــ { من }. وقد تقدم عند قوله تعالىوكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } في سورة آل عمران 146. والآية العلامة، والمراد هنا الدالةُ على وحدانية الله تعالى بقرينة ذكر الإشراك بعدها. ومعنى { يمرون عليها } يرونها، والمرور مجاز مكنّى به عن التحقق والمشاهدة إذ لا يصح حمل المرور على المعنى الحقيقي بالنسبة لآيات السماوات، فالمرور هنا كالذي في قوله تعالىوإذا مروا باللغو مروُّا كراماً } الفرقان 72. وضمير { يمرون } عائد إلى الناس من قوله تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين }. وجملة { وما يؤمن أكثرهم بالله } في موضع الحال من ضمير { يمرون } أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون، والمراد بـــــ { أكثر الناس } أهل الشرك من العرب. وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلٰهية. والاستثناء من عموم الأحوال، فجملة { وهم مشركون } حال من { أكثرهم }. والمقصود من هذا تشنيع حالهم. والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء بما يشبه ضده على وجه التهكم. وإسناد هذا الحكم إلى { أكثرهم } باعتبار أكثر أحْوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك. وليس المراد أن بعضاً منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلٰهاً آخر.