الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف ــــ عليه السلام ــــ إذ ليس فيه من العبر شيء. وأبواه أحدهما يعقوب عليه السلام وأما الآخر فالصحيح أن أم يوسف ــــ عليه السلام ــــ وهي راحيل توفيت قبل ذلك حين ولدت بنيامين، ولذلك قال جمهور المفسّرين أطلق الأبوان على الأب زوج الأب وهي ليئة خالة يوسف ــــ عليه السلام ــــ وهي التي تولت تربيته على طريقة التغليب والتنزيل. وإعادة اسم يوسف ــــ عليه السلام ــــ لأجل بعد المعاد. وقوله { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } جملة دعائية بقرينة قوله { إن شاء الله } لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ. فالأمر في { ادخلوا } للدعاء كالذي في قوله تعالىادخلوا الجنة لا خوف عليكم } الأعراف 49. والمقصود تقييد الدخول بـ { آمنين } وهو مناط الدعاء. والأمنُ حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك. ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ { ربّ اجعل هذا البلد آمناً } إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد. وجملة { إن شاء الله } تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام وليس هو من الاستثناء الوارد النهي عنه في الحديث أن لا يقول اغفر لي إن شئت، فإنه لا مُكره له لأن ذلك في الدعاء المخاطب به الله صراحة. وجملة { إن شاء الله } معترضة بين جملة { ادخلوا } والحال من ضميرها. والعرش سرير للقعود فيكون مرتفعاً على سوق، وفيه سعة تمكن الجالس من الاتّكاء. والسجود وضع الجبهة على الأرض تعظيماً للذات أو لصورتها أو لذِكرها، قال الأعشى
فلما أتانا بُعيد الكَرى سَجدنا له ورفَعْنا العَمَارا   
وفعله قاصر فيعدى إلى مفعوله باللام كما في الآية. والخرور الهوي والسقوط من علو إلى الأرض. والذين خروا سُجداً هم أبواه وإخوته كما يدل له قوله { هذا تأويل رؤياي } وهم أحد عشر وهم رأوبين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويساكر، وربولون، وجاد، وأشير، ودان، ونفتالي، وبنيامين. و { الشمس } ، و { القمر } ، تعبيرهما أبواه يعقوب ــــ عليه السلام ــــ وراحيل. وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم، ولم يكن يومئذٍ ممنوعاً في الشرائع وإنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقاً لمعنى مساواة الناس في العبودية والمخلوقية. ولذلك فلا يعدّ قبوله السجودَ من أبيه عقوقاً لأنه لا غضاضة عليهما منه إذ هو عادتهم. والأحسن أن تكون جملة { وخروا } حالية لأن التحية كانت قبل أن يرفع أبويه على العرش، على أن الواو لا تفيد ترتيباً. و { سجدا } حال مبيّنة لأن الخرور يقع بكيفيات كثيرة.

السابقالتالي
2