الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }

افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإِظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالىقل يا أيها الكافرون } الكافرون 1 ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى، وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين انْسُبْ لنا ربك، فكانت جواباً عن سؤالهم فلذلك قيل له { قل } كما قال تعالىقل الروح من أمر ربي } الإسراء 85 فكان للأمر بفعل { قل } فائدتان. وضمير { هو } ضمير الشأن لإِفادة الاهتمام بالجملة التي بعده، وإذا سمعه الذين سألوا تطلعوا إلى ما بعده. ويجوز أن يكون { هو } أيضاً عائداً إلى الرب في سؤال المشركين حين قالوا انسب لنا ربك. ومن العلماء من عَدّ ضمير { هو } في هذه السورة اسماً من أسماء الله تعالى وهي طريقة صوفية درج عليها فخر الدين الرازي في «شرح الأسماء الحسنى» نقله ابن عرفة عنه في «تفسيره» وذكر الفخر ذلك في «مفاتيح الغيب» ولا بد من المزج بين كلاميه. وحاصلهما قوله { قل هو الله أحد } فيه ثلاثة أسماء لله تعالى تنبيهاً على ثلاثة مقامات. الأول مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأشياء من حيث هِيَ هِيَ، فلا جرم ما رأوا موجوداً سوى الله لأنه هو الذي لأجله يجب وجوده فما سوى الله عندهم معدوم، فقوله { هو } إشارة مطلقة. ولما كان المشار إليه معيناً انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين فكان قوله { هو } إشارة من هؤلاء المقربين إلى الله فلم يفتقروا في تلك الإِشارة إلى مميز فكانت لفظة { هو } كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء. المقام الثاني مقام أصحاب اليمين المقتصدين فهم شاهَدُوا الحق موجوداً وشاهدوا الممكنات موجودة فحصلت كثرة في الموجودات فلم تكن لفظة { هو } تامة الإِفادة في حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم { هو اللَّه }. والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الإِلٰه فقُرن لفظ { أحد } بقوله { هو اللَّه } إبطالاً لمقالتهم ا هــــ. فاسمه تعالى العلَم ابتدىء به قبل إجراء الأخبار عليه ليكون ذلك طريق استحضار صفاته كلّها عند التخاطب بين المسلمين وعند المحاجَّة بينهم وبين المشركين، فإن هذا الاسم معروف عند جميع العرب فمسماه لا نزاع في وجوده ولكنهم كانوا يصفونه بصفات تَنَزَّه عنها. أما { أحد } فاسم بمعنى وَاحِد. وأصل همزته الواو، فيقال وحَد كما يقال أحد، قلبت الواو همزة على غير قياس لأنها مفتوحة بخلاف قلب واو وُجوه ومعناه منفرد، قال النابغة
كأنَّ رحلي وقد زال النهارُ بنا بذي الجليلِ على مستأنِسٍ وَحَدِ   
أي كأني وضعتُ الرجل على ثورِ وحْششٍ أحَسَّ بأنسيّ وهو منفردٌ عن قطيعه. وهو صفة مشبهة مثل حَسَن، يقال وَحُد مثل كرُم، ووَحِدَ مثل فرِح. وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتيٌّ له، فلذلك أوثر { أحد } هنا على واحد لأن واحد اسم فاعل لا يفيد التمكن.

السابقالتالي
2 3