الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

عُطف { لما جاء أمرنا } هنا وفي قوله في قصة عادولمّا جاء أمرنا نجينا هوداً } هود 58 بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمودفلمّا جاء أمرنا نجينا صالحاً } هود 66 وفي قصة قوم لوطفلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها } هود 82 لأن قصتَيْ ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي تَوعّدَ به النبيئان قومَهما ففي قصة ثمودفقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعْدٌ غير مكذوبٍ } هود 65، وفي قصة قوم لوطإن موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريب } هود 81 فكان المقام مقتضياً ترقب السّامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حلّ بهم على الوعيد به. وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكنّ الوعيد فيهما مجمل من قولهويستخلف ربّي قوماً غيركم } هود 57، وقولهوارتقبوا إنّي معكم رقيب } هود 93. وتقدم القول في معنى { جاء أمرنا } إلى قوله { ألاَ بُعْداً لمدين } في قصة ثمود. وتقدم الكلام على { بُعْداً } في قصة نوح في قولهوقيل بُعداً للقوم الظالمين } هود 44. وأما قوله { كما بَعدت ثمود } فهو تشبيه البعد الذي هو انقراض مدين بانقراض ثمود. ووجه الشبه التّماثل في سبب عقابهم بالاستئصال، وهو عذاب الصيحة، ويجوز أن يكون المقصود من التّشبيه الاستطراد بذمّ ثمود لأنهم كانوا أشدّ جرأة في مناواة رسل الله، فلمّا تهيأ المقام لاختتام الكلام في قصص الأمم البائدة ناسب أن يعاد ذكر أشدّها كفراً وعناداً فَشُبّهَ هلك مدين بهلكهم. والاستطراد فَنّ من البديع. ومنه قول حسّان في الاستطراد بالهجاء بالحارث أخي أبي جهل
إن كنت كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجَى الحارث بن هشام ترك الأحبّة أن يقاتل دُونهم ونَجا برأس طمرّة ولجام