الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ }

فصلت جملة { قالوا } عن التي قبلها لوقوعها موقع المحاورة مع لوط ـ عليه السّلام ـ. و { لقد علمت } تأكيد لكونه يعلم. فأكد بتنزيله منزلةَ من ينكر أنه يعلم لأن حالة في عرضه بناته عليهم كحال من لا يعلم خُلقهم، وكذلك التوكيد في { وإنك لتعلَم ما نريد } ، وكلا الخبرين مستعمل في لازم فائدة الخبر، أي نحن نعلم أنك قد علمت ما لنا رغبة في بناتك وإنك تعلم مرادنا. ومثله قوله حكاية عن قوم إبراهيملقد علمت ما هؤلاء ينطقون } الأنبياء 65. و { ما } الأولى نافية معلّقة لفعل العلم عن العمل، و { ما } الثانية موصولة. والحق ما يحقّ، أي يجب لأحد أو عليه، فيقال له حق في كذا، إذا كان مستحقاً له، ويقال ما له حق في كذا، بمعنى لا يستحقه، فالظاهر أنه أطلق هنا كنايةً عن عدم التعلّق بالشيء وعن التجافي عنه. وهو إطلاق لم أر مثله، وقد تحيّر المفسرون في تقريره. والمعنى ما لنا في بناتك رغبة. وجوابه بِـ { لَوْ أنّ لي بكم قوة } جواب يائس من ارعوائهم. و { لو } مستعملة في التمنّي، وهذا أقصى ما أمكنه في تغيير هذا المنكر. والباء في { بكم } للاستعلاء، أي عليكم. يقال ما لي به قوة وما لي به طاقة. ومنه قوله تعالىقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت } البقرة 249. ويقولون مَا لي بهذا الأمر يَدان، أي قدرة أو حيلة عليه. والمعنى ليت لي قوة أدفعكم بها، ويريد بذلك قوة أنصار لأنّه كان غريباً بينهم. ومعنى { أو آوى إلى ركن شديد } أو أعتصم بما فيه مَنعة، أي بمكان أو ذي سلطان يمنعني منكم. والركن الشق من الجبل المتّصل بالأرض.