الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }

عطف علىولقد أرسَلنا نوحاً إلى قومه } هود 25، فعطف { وإلى عاد } علىإلى قومه } هود 25، وعطف { أخاهم } علىنوحاً } هود 25، والتقدير وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً. وهو من العطف على معموليْ عامل واحد. وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجارّ لا بد له من متعلّق، وقضاءً لحق الإيجاز ليُحْضَر ذكر عَاد مرتين بلفظه ثم بضميره. ووصف هود بأنه أخو عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال يا أخا العرب، أي يا عربي. وتقدم ذكر عاد وهود في سورة الأعراف. وجملة { قال } مبينة للجملة المقدّرة وهيأرسلنا } هود 25. ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل أرسلنا محذوف، فلو بين بجملة { يا قوم اعبدوا } كما بين في قولهولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين } هود 25 لكان بياناً لمعدوم وهو غير جليّ. وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقي إليهم. وجملة { ما لكم من إله غيره } حال من ضمير { اعبدوا } أو من اسم الجلالة. والإتيان بالحال الاستقصاد إبطال شركهم بأنّهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنّهم لا إله لهم غيره، أو في حال أنّه لا إله لهم غيره. وذلك تشنيع للشّرك. وجملة { إن أنتم إلا مفترون } توبيخ وإنكار. فهي بيان لجملة { ما لكم من إله غيره } ، أي ما أنتم إلاّ كاذبون في ادّعاء إلهية غير الله تعالى. وجملة { يا قوم لا أسألكم عليه أجراً } إن كان قالها مع الجملة التي قبلها فإعادة النداء في أثناء الكلام تكرير للأهمية، يقصد به تهويل الأمر واسترعاء السمع اهتماماً بما يستسمعونه، والنداء هو الرابط بين الجملتين وإن كانت مقولة في وقت غير الذي قيلت فيه الجملة الأولى، فكونها ابتداء كلام ظاهر. وتقدم تفسير { لا أسألكم عليه أجراً } في قصة نوح - عليه السّلام -، أي لا أسألكم أجراً على ما قلته لكم. والتعبير بالموصول { الذي فطرني } دون الاسم العلم لزيادة تحقيق أنّه لا يسألهم على الإرشاد أجراً بأنه يعلم أن الذي خلقه يسوق إليه رزقه، لأن إظهار المتكلم علمه بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقاً. ولذلك عطف على ذلك قوله { أفلا تعقلون } بفاء التفريع عاطفة استفهاماً إنكارياً عن عدم تعقلهم، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم. والعقل العلم. وعطف جملة { ويا قوم } مثل نظيرها في قصة نوح - عليه السّلام - آنفاً. والاستغفار طلب المغفرة للذنب، أي طلب عدم المؤاخذة بما مضى منهم من الشرك، وهو هنا مكنى به عن ترك عقيدة الشرك، لأن استغفار الله يستلزم الاعتراف بوجوده ويستلزم اعتراف المستغفر بذنب في جانبه ولم يكن لهم ذنب قبل مجيء هود - عليه السّلام - إليهم غير ذنب الإشراك إذ لم يكن له شرع من قبل.

السابقالتالي
2