الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }

عطف على جملةواتّبع الذين ظلموا ما أتفرفوا فيه } هود 116 لما يؤذنه به مضمون الجملة المعطوف عليها من تعرّض المجرمين لحلول العقاب بهم بناء على وصفهم بالظلم والإجرام، فعقب ذلك بأن نزول العذاب ممّن نزل به منهم لم يكن ظلماً من الله تعالى ولكنهم جرّوا لأنفسهم الهلاك بما أفسدوا في الأرض والله لا يحبّ الفساد. وصيغة { وما كان ربك ليهلك } تدل على قوة انتفاء الفعل، كما تقدّم عند قوله تعالىما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب } الآية في آل عمران 79، وقولهقال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ } في آخر العقود 116 فارجع إلى ذينك الموضعين. والمراد بـ { القرى } أهلها، على طريقة المجاز المرسل كقولهواسأل القرية } يوسف 82. والباء في { بظلم } للملابسة، وهي في محل الحال من { ربّك } أي لمّا يهلك النّاس إهلاكاً متلبساً بظلم. وجملة { وأهلها مصلحون } حال من { القرى } أي لا يقع إهلاك الله ظالماً لقوم مصلحين. والمصلحون مقابل المفسدين في قوله قبلهينهون عن الفساد في الأرض } هود 116 وقولهوكانوا مجرمين } هود 116، فالله تعالى لا يُهلك قوماً ظالماً لهم ولكن يُهلك قوماً ظَالمين أنفُسَهُمْ. قال تعالىوما كنّا مُهلكي القرى إلاّ وأهلها ظالمون } القصص 59. والمراد الإهلاك العاجل الحالّ بهم في غير وقت حلول أمثاله دون الإهلاك المكتوب على جميع الأمم وهو فناءُ أمة وقيام أخرى في مدد معلومة حسب سنن معلومة.