الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

هذا جواب ثان عن قولهممتى هذا الوعد إن كنتم صادقين } يونس 48 باعتبار ما يتضمنه قولهم من الوعد بأنهم يؤمنون إذا حق الوعد الذي توعدهم به، كما حكي عنهم في الآية الأخرىوقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 إلى قولهأو تسقط السماء كما زعمتَ علينا كِسفاً } الإسراء 92، وهذا الجواب إبداء لخلل كلامهم واضطراب استهزائهم، وقع هذا الأمر بأن يجيبهم هذا الجواب بعد أن أمر بأن يجيبهم بقولهقل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله } يونس 49، وهذا الجواب واقع موقع التسليم الجدلي بعد أن يجاب المخطىء بالإبطال. وحاصل هذا الجواب إن قدر حصول ما سألتم تعيين وقته ونزول كسف من السماء بكم أو نحوه ماذا يحصل من فائدة لكم في طلب تعجيل حصوله إذ لا تخلون عن أن تكونوا تزعمون أنكم تؤمنون حينئذٍ فذلك باطل لأن العذاب يعاجلكم بالهلاك فلا يحصل إيمانكم. وهذا كما قال بعض الواعظين نحن نريد أن لا نموت حتى نتوب ونحن لا نتوب حتى نموت. ووقع في خلال هذا الجواب تفنن في تخييل التهويل لهذاالعذاب الموعود بقوله { إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً } تخييلاً يناسب تحقق وقوعه فإن هاذين الوقتين لا يخلو حلول الحوادث عن أحدهما، على أنه ترديد لمعنى العذاب العاجل تعجيلاً قريباً أو أقلَّ قرباً، أي أتاكم في ليل هذا اليوم الذي سألتموه أو في صبيحته، على أن في ذكر هذين الوقتين تخييلاً مَا لصورة وقوع العذاب استحضاراً له لديهم على وجه يحصل به تذكيرهم انتهازاً لِفرصة الموعظة، كالتذكير به في قولهقل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون } الأنعام 47. والبيات اسم مصدر التبييت، ليلاً كالسلام للتَّسليم، وذلك مباغتة. وانتصب { بياتاً } على الظرفية بتقدير مضاف، أي وقت بيات. وجواب شرط { إن أتاكم عذابه } محذوف دل عليه قوله { ماذا يستعجل منه المجرمون } الذي هو ساد مسد مفعولي أرأيتم إذ علقه عن العمل الاستفهام بـماذا. و { ماذا } كلمتان هما ما الاستفهامية وذا. أصله إشارة مشار به إلى مأخوذ من الكلام الواقع بعده. واستعمل ذا مع ما الاستفهامية في معنى الذي لأنهم يراعون لفظ الذي محذوفاً. وقد يظهر كقوله تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } البقرة 255. وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار عليهم، وفي التعجيب من تعجلهم العذاب بنية أنهم يؤمنون به عند نزوله. ومِن للتبعيض. والمعنى ما الذي يستعجله المجرمون من العذاب، أي لا شيء من العذاب بصالحٍ لاستعجالهم إياه لأن كل شيء منه مهلك حائل بينهم وبين التمكن من الإيمان وقت حلوله. وفائدة الإشارة إليه، تهويله أو تعظيمه أو التعجيب منه كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3