الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } تذييل وفذلكة للجمل السابقة من قولهوالله يدعو إلى دار السلام } يونس 25 إلى هنا. وهو اعتراض بين الجمل المتعاطفة. والإشارة إلى المكان الذي أنبأ عنه قولهنَحْشرهم } يونس 28 أي في ذلك المكان الذي نحشرهم فيه. واسم الإشارة في محل نصب على الظرفية. وعامله تبلو، وقدم هذا الظرف للاهتمام به لأن الغرض الأهم من الكلام لعظم ما يقع فيه. وتبلو تختبر، وهو هنا كناية عن التحقق وعلم اليقين. و { أسلفت } قدّمتْ، أي عملاً أسلفته. والمعنى أنها تختبر حالته وثمرته فتعرف ما هو حسن ونافع وما هو قبيح وضار إذ قد وضح لهم ما يفضي إلى النعيم بصاحبه، وضدُه. وقرأ الجمهور تبلو بموحدة بعد المثناة الفوقية. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بمثناة فوقية بعد المثناة الأولى على أنه من التلو وهو المتابعة، أي تتبع كل نفس ما قدمته من عمل فيسوقها إلى الجنة أو إلى النار. { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } فتكون من تمام التذييل، ويكون ضمير ردوا عائداً إلى كل نفس. ويجوز أن تكون معطوفة على قوله ويوم نحشرهم جميعاً } يونس 28 الآية فلا تتصل بالتذييل، أي ونردهم إلينا، ويكون ضمير ردوا عائداً إلى الذين أشركوا خاصة. والمعنى تحقق عندهم الحشر الذي كانوا ينكرونه. ويناسب هذا المعنى قوله { مولاهم الحق } فإن فيه إشعاراً بالتورك عليهم بإبطال مواليهم الباطلة. والرد الإرجاع. والإرجاع إلى الله الإرجاع إلى تصرفه بالجزاء على ما يرضيه وما لا يرضيه وقد كانوا من قبل حين كانوا في الحياة الدنيا ممهلين غير مجازين. والمولى السيد، لأن بينه وبين عبده ولاء عهد الملك. ويطلق على متولي أمور غيره وموفر شؤونه. والحقّ الموافق للواقع والصدق، أي ردوا إلى الاله الحق دون الباطل. والوصف بالحق هو وصف المصدر في معنى الحاق، أي الحاق المولوية، أي دون الأولياء الذين زعموهم باطلاً. { وضل عنهم ما كانوا يفترون } هذه الجملة مختصه بالمشركين كما هو واضح. والضلال الضياع. و { ما كانوا يفترون } ما كانوا يكذبون من نسبتهم الإلهية إلى الأصنام، فيجوز أن يكون ماصْدق ما الموصولة الأصنام، فيكون قد حذف العائد مع حرف الجر بدون أن يجر الموصول بمثل ما جر به العائد والحق جوازه، فالتقدير ما كانوا يكذبون عليه أو له. وضلاله عدم وجوده على الوصف المزعوم له. ويجوز أن يكون ماصدق ما نفس الافتراء، أي الافتراء الذي كانوا يفترونه. وضلاله ظهور نَفْيِه وكذبه.