الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

عطف على جملةولو يعجل الله للناس الشر } يونس 11 الخ لأن ذلك ناشىء عن قولهماللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32 كما تقدم فذلك أسلوب من أساليب التكذيب. ثم حُكي في هذه الآية أسلوب آخر من أساليب تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون القرآن موحى إليه من الله تعالى فهم يتوهمون أن القرآن وضَعه النبي صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، ولذلك جعلوا من تكذيبهم أن يقولوا له { ائت بقرآنٍ غير هذا أو بَدّله } إطماعاً له بأن يؤمنوا به مغايراً أو مبدَّلاً إذا وافق هواهم. ومعنى { غير هذا } مخالفهُ. والمراد المخالفة للقرآن كله بالإعراض عنه وابتداء كتاب آخر بأساليب أخرى، كمثل كتب قصص الفرس وملاحمهم إذ لا يحتمل كلامهم غير ذلك، إذ ليس مرادهم أن يأتي بسُورَ أخرى غير التي نزلتْ من قبل لأن ذلك حاصل، ولا غَرض لهم فيه إذا كان معناها من نوع ما سبقها. ووصف الآيات بـ { بينات } لزيادة التعجيب من طلبهم تبديلها لا بطلب تبديله إذ لا طمع في خير منه. والتبديل التغيير. وقد يكون في الذوات، كما تقول بدلت الدنانير دراهم. ويكون في الأوصاف، كما تقول بدلت الحلقة خاتماً. فلما ذكر الإتيان بغيره من قبل تعيَّن أن المراد بالتبديل المعنى الآخر وهو تبديل الوصف، فكان المراد بالغير في قولهم { غير هذا } كلاماً غير الذي جاء به من قبل لا يكون فيه ما يكرهونه ويغيظهم. والمراد بالتبديل أن يعمد إلى القرآن الموجود فيغير الآيات المشتملة على عبارات ذم الشرك بمدحه، وعبارات ذم أصنامهم بالثناء عليها، وعبارات البعث والنشر بضدها، وعبارات الوعيد لهم بعبارات بشارة. وسموا ما طلبوا الإتيان به قُرآناً لأنهُ عوض عن المسمى بالقرآن، فإن القرآن علَم على الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أي ائت بغير هذا مما تُسميه قرآناً. والضمير في { بدله } عائد إلى اسم الإشارة، أي أو بدل هذا. وأجمل المراد بالتبديل في الآية لأنه معلوم عند السامعين. ثم إن قولهم يحتمل أن يكون جداً، ويحتمل أن يريدوا به الاستهزاء، وعلى الاحتمالين فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم بما يقلع شبهتهم من نفوسهم إن كانوا جادين، أو من نفوس من يسمعونهم من دهمائهم فيحسبوا كلامهم جِداً فيترقبوا تبديل القرآن. وضمير الغيبة في قوله { وإذا تتلى عليهم } راجع إلى الناس المراد منهم المشركون أو راجع إلى { الذين لا يرجون لقاءنا } في قولهإن الذين لا يرجون لقاءنا } يونس 7. وتقديم الظرف في قوله { إذا تتلى } على عامله وهو { قَال الذين لا يرجون لقاءنا } للاهتمام بذكر ذلك الوقت الذي تتلى فيه الآيات عليهم فيقولون فيه هذا القول تعجيباً من كلامهم ووهن أحلامهم.

السابقالتالي
2 3