عطف على جملة{ ولو يعجل الله للناس الشر } يونس 11 الآية، لأن الغرض الأهم من كلتيهما هو الاعتبار بذميم أحوال المشركين تفظيعاً لحالهم وتحذيراً من الوقوع في أمثالها بقرينة تنهية هذه الآية بجملة { كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون }. فلما بُين في الآية السابقة وجه تأخير عذابِ الاستئصال عنهم وإرجاء جزائهم إلى الآخرة بُين في هذه الآية حالهم عندما يمسهم شيء من الضر وعندما يُكشف الضر عنهم. فالإنسان مراد به الجنس، والتعريف باللام يفيد الاستغراق العرفي، أي الإنسان الكافر، لأن جمهور الناس حينئذٍ كافرون، إذ كان المسلمون قبل الهجرة لا يعْدُون بضعة وسبعين رجلاً مع نسائهم وأبنائهم الذين هم تبع لهم. وبهذا الاعتبار يكون المنظور إليهم في هذا الحكم هم الكافرون، كما في قوله تعالى{ ويقول الإنسان أئذا ما مِت لسَوف أخرج حيا } مريم 66 ـ وقوله ـ{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك } الانفطار 6، 7. ويأخذ المسلمون من هذا الحكم ما يناسب مقدار ما في آحادهم من بقايا هذه الحال الجاهلية فيفيق كلٌّ من غفلته. وعدل عن الإتيان بالضمير الراجع إلى الناس من قوله{ ولو يجعل الله للناس الشر } يونس 11 لأن في ذكر لفظ الإنسان إيماء إلى التذكير بنعمة الله عليهم إذ جعلهم، من أشرف الأنواع الموجودة على الأرض. ومن المفسرين من جعل اللام في الإنسان للعهد وجعل المراد به أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، واسمه مُهَشِّم، وكان مشركاً، وكان أصابه مرض. والضر تقدم في قوله{ وإن يمسسك الله بضر } في سورة { الأنعام 17. والدعاء هنا الطلب والسؤال بتضرع. واللام في قوله لجنبه } بمعنى على كقوله تعالى{ يخرون لِلأذقان } الإسراء 109 وقوله{ وتلَّه للجبين } الصافات 103. ألا ترى أنه جاء في موضع اللام حرف على في قوله تعالى{ فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جُنوبكم } النساء 103 وقوله{ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } آل عمران 190 ونحوه قول جابر بن جني التغلبي
تناولَه بالرمح ثم انثنى به فخَرَّ صريعاً لليدين وللفم
أي على اليدين وعلى الفم، وهو متولد من معنى الاختصاص الذي هو أعم معاني اللام، لأن الاختصاص بالشيء يقع بكيفيات كثيرة منها استعلاؤه عليه. وإنما سلك هنا حرف الاختصاص للإشارة إلى أن الجنب مختص بالدعاء عند الضر ومتصل به فبالأولى غيره. وهذا الاستعمال منظور إليه في بيت جابر والآيتين الأخريين كما يظهر بالتأمل، فهذا وجه الفرق بين الاستعمالين. وموضع المجرور في موضع الحال، ولذلك عطف { أو قاعداً أو قائماً } بالنصب. وإنما جعل الجنب مجروراً باللام ولم ينصب فيقال مثلاً مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً لتمثيل التمكن من حالة الراحة بذكر شق من جسده لأن ذلك أظهر في تمكنه، كما كان ذكر الإعطاء في الآيتين الأخريين وبيت جابر أظهر في تمثيل الحالة بحيث جمع فيها بين ذكر الأعضاء وذكر الأفعال الدالة على أصل المعنى للدلالة على أنه يدعو الله في أندر الأحوال ملابَسَةً للدعاء، وهي حالة تطلب الراحة وملازمة السكون.