الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

تفريع على جملةما تغني الآيات والنذر } يونس 101 باعتبار ما اشتملت عليه من ذكر النُذُر. فهي خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أي يتفرع على انتفاء انتفاعهم بالآيات والنذر وعلى إصْرارهم أنْ يُسأل عنهم ماذا ينتظرون، ويجاب بأنهم ما ينتظرون إلا مِثل ما حلّ بمن قبلهم ممن سِيقت قصصهم في الآيات الماضية، ووقع الاستفهام بـ { هل } لإفادتها تحقيق السؤال وهو باعتبار تحقيق المسؤول عنه وأنه جدير بالجواب بالتحْقيق. والاستفهام مجاز تهكمي إنكاري، نزلوا منزلة من ينتظرون شيئاً يأتيهم ليؤمنوا، وليس ثمة شيء يصلح لأن ينتظروه إلا أن ينتظروا حلول مثل أيام الذين خلوا من قبلهم التي هلكوا فيها. وضمن الاستفهام معنى النفي بقرينة الاستثناء المفرَّغ. والتقدير فهل ينتظرون شيئاً مَا ينتظرون إلاّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم. وأطلقت الأيام على ما يقع فيها من الأحداث العظيمة. ومن هذا إطلاق «أيام العرب» على الوقائع الواقعة فيها. وجملة { قل فانتظروا } مفرعة على جملة { فهل ينتظرون }. وفصل بين المفرّع والمفرّع عليه بـ { قُل } لزيادة الاهتمام. ولينتقل من مخاطبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وبذلك يصير التفريع بين كلامين مختلفَي القائل شبيهاً بعطف التلقين الذي في قوله تعالىقال ومن ذريتي } البقرة 124. على أن الاختلاف بين كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام الوحي والتبليغ اختلاف ضعيف لأنهما آئلان إلى كلام واحد. وهذا موقع غريب لفاء التفريع. وبهذا النسج حصل إيجاز بديع لأنه بالتفريع اعتبر ناشئاً عن كلام الله تعالى فكأنّ الله بلغه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلّغه قومه فليس له فيه إلاّ التبليغ، وهو يتضمن وعد الله نبيه بأنه يرى ما ينتظرهم من العذاب، فهو وعيد وهو يتضمن النصر عليهم. وسيصرح بذلك في قوله { ثم ننجي رسلنا }. وجملة { إني معكم من المنتظرين } استئناف بياني ناشىء عن جملة { انتظروا } لأنها تثير سؤال سائل يقول ها نحن أولاء ننتظر وأنت ماذا تفعل. وهذا مستعمل كناية عن ترقبه النصر إذ لا يظن به أنه ينتظر سوءاً فتعين أنه ينتظر من ذلك ضد ما يحصل لهم، فالمعية في أصل الانتظار لا في الحاصل بالانتظار. ومع حال مؤكدة. و { من المنتظرين } خبر إنّ ومفاده مفاد مع إذ ماصدق المنتظرين هم المخاطبون المنتظرون. و { ثم ننجّي رسلنا } عطف على جملة { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا } لأن مثل تلك الأيام يومُ عذاب. ولما كانوا مهددين بعذاب يحل بموضع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عجل الله البشارة للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنه ينجيهم من ذلك العذاب بقدرته كما أنجى الرسل من قبله.

السابقالتالي
2