الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا }

الباء في قوله تعالى: { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } للسببية أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها وأمره سبحانه إياها بالتحديث واللام بمعنى إلى أي أوحى إليها لأن المعروف تعدي الوحي بها كقوله تعالى:وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } [النحل: 68] لكن قد يتعدى باللام كما في قول العجاج يصف الأرض:
أوحى لها القرار فاستقرت   وشدها بالراسيات الثبت
ولعل اختيارها لمراعاة الفواصل وجوز أن تكون اللام للتعليل أو المنفعة لأن الأرض بتحديثها بعمل العصاة يحصل لها تشف منهم بفضحها إياهم بذكر قبائحهم والموحى إليه هي أيضاً.

والوحي يحتمل أن يكون وحي إلهام وان يكون وحي إرسال بأن يرسل سبحانه إليها رسولاً من الملائكة بذلك وقال الطبري وقوم التحديث استعارة أو مجاز مرسل لمطلق دلالة حالها والإيحاء إحداث ما تدل به فيحدث عز وجل فيها من الأحوال ما يكون به دلالة تقوم مقام التحديث باللسان حتى ينظر من يقول ما لها إلى تلك الأحوال فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات وأن هذا ما كانت الأنبياء عليهم السلام ينذرونه ويحذرون منه وما يعلم هو أخبارها.

وقيل الإيحاء على تقدير كون التحديث حقيقياً أيضاً مجاز عن إحداث حالة ينطقها سبحانه بها كإيجاد الحياة وقوة التكلم والأخبار على ما سمعت آنفاً وقال يحيـى بن سلام تحدث بما أخرجت من أثقالها ويشهد له ما في حديث ابن ماجة في «سننه» " تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني " وعن ابن مسعود تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان مالها فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى فيكون ذلك جواباً لهم عند سؤالهم.

وقال الزمخشري ((يجوز أن يكون المعنى [يومئذٍ] تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول نصحتني كل نصيحة بأن نصحتني في الدين)) فإخبارها عليه هو أن ربك أوحى لها والباء تجريدية مثلها في قولك لئن لقيت فلاناً لتلقين به رجلاً متناهياً في الخبر وكان الظاهر تحدث بخبرها بالإفراد وكذا على ما قبله من الوجهين لكن جمع للمبالغة كما يشير إليه المثال ونحوه قول الشاعر:
فأنالني كل المنى بزيارة   كانت مخالسة كخطفة طائر
فلو استطعت خلعت على الدجى   لتطول ليلتنا سواد الناظر
ولا يخفى بعده وبالغ أبو حيان في الحط عليه فقال هو عفش ينزه القرآن عنه وأراد بالعفش بعين مهملة وفاء وشين معجمة ما يدنس المنزل من الكناسة وهي كلمة تستعملها في ذلك عوام أهل المغرب وليس كما قال.

وجَوَّزَ أيضاً أن يكون { بِأَنَّ رَبَّكَ } الخ بدلاً منأَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 4] كأنه قيل يومئذ تحدث بأن ربك أوحى لها لأنك تقول حدثته كذا وحدثته بكذا فيصح إبدال بأن الخ من أخبارها وأن أحدهما مجرور والآخر منصوب لأنه يحل محله في بعض الاستعمالات وليس ذلك في الامتناع خلافاً لأبـي حيان كاستغفرت الذنبَ العظيمِ بنصب الذنب وجر العظيم على أنه نعت له باعتبار قولهم استغفرت من الذنب لأن/ البدل هو المقصود فهو في قوة عامل آخر بخلاف النعت.

السابقالتالي
2