الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }

وقوله تعالى: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } استئناف مبين لمناط فضلها على تلك المدة المديدة فضمير { فِيهَا } لليلة وزعم بعضهم أن الجملة صفة لألف شهر والضمير لها وليس بشيء وجوز بعضهم كون الضمير للملائكة على أن (الروح) مبتدأ لا معطوف على (الملائكة) و(فيها) خبره لا متعلق بتنزل والجملة حال من (الملائكة) وهو خلاف الظاهر.

و(الروح) عند الجمهور هو جبريل عليه السلام وخص بالذكر لزيادة شرفه مع أنه النازل بالذكر وقيل ملك عظيم لو التقم السماوات والأرض كان ذلك له لقمة واحدة وذكر في «التيسير» من وصفه ما يبهر العقول والله تعالى أعلم بصحة الخبر. وقال كعب ومقاتل الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة كالزهاد الذين / لا تراهم إلا يوم العيد أو الجمعة وقيل حفظة على الملائكة كالملائكة الحفظة علينا وقيل خلق من خلق الله تعالى يأكلون ويلبسون ليسوا من الملائكة ولا من الإنسوَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 8]وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر: 31] ولعلهم على ما قيل خدم أهل الجنة. وقيل هو عيسى عليه السلام ينزل لمطالعة هذه الأمة وليزور النبـي صلى الله عليه وسلم وقيل أرواح المؤمنين ينزلون لزيارة أهليهم وقيل الرحمة كما قرىء { ولا تيأسوا من رُوح الله } [يوسف: 87] بالضم وعلى الأول المعول.

والظاهر الذي تشهد له الأخبار أن التنزل إلى الأرض فقيل إن ذلك لِمَا ذكر الله تعالى بعد وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه وقيل ينزلون إليها للتسليم على المؤمنين وقيل لأن الله تعالى جعل فضيلة هذه الليلة في الاشتغال بطاعته في الأرض فهم ينزلون إليها لتصير طاعاتهم أكثر ثواباً كما أن الرجل منا يذهب إلى مكة لتصير طاعته كذلك فيكون المقصود من الأخبار بذلك ترغيب الإنسان في الطاعة. وقال عصام الدين يحتمل أن يكون تنزلهم لإدراكها إذ ليس في السماء ليل والجملة حينئذٍ مقررة لما سبق لا مبينة لمناط الفضل وفيه نظر لا يخفى وقيل غير ذلك مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

وقيل المراد تنزلهم إلى السماء الدنيا وهو خلاف المتبادر وأنزل منه بكثير كون المراد بتنزلهم تنزلهم عن مراتبهم العلية من الاشتغال بالله تعالى والاستغراق بمطالعة جلاله عز وجل ليسلموا على المؤمنين. واستظهر أن المراد بالملائكة عليهم السلام جميعهم واستشكل بأن لهم كثرة عظيمة لا تتحملها الأرض وكذا السماء الدنيا لأنها قبل نزولهم مملوءة «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم» وأجيب بأنهم ينزلون فوجاً فوجاً فمن نازل وصاعد كالحجاج فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة مثلاً بأسرهم لكن لا على وجه الاجتماع بل هم بين داخل وخارج وفي التعبير بتنزل المفيد للتدريج دون نزل رمز إليه وقيل إنهم لكونهم أنواراً لا تزاحم بينهم فالنور إذا ملأ حجرة مثلاً لا يمنع من إدخال ألف نور عليه وهو كما ترى.

السابقالتالي
2 3 4