الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } * { وَطُورِ سِينِينَ } * { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ }

إقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير فأما البلد الأمين فمكة حماها الله تعالى بلا خلاف وجاء في حديث مرفوع وهو مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه. والأمين فعيل إما بمعنى فاعل أي الآمن من أمُن الرجل بضم الميم أمانة فهو أمين وجاء أمَّان أيضاً كما جاء كريم وكَرَّام ولم يسمع آمن اسم فاعل وسمع على معنى النسب كما في قوله تعالىحَرَماً آمِناً } [القصص: 57] بمعنى ذي أمن، وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ففيه تشبيه بالرجل الأمين وإما بمعنى مفعول أي المأمون من أمنه أي لم يخفه ونسبته إلى البلد مجازية والمأمون حقيقة الناس أي لا تخاف غوائلهم فيه أو الكلام على الحذف والإيصال أي المأمون فيه من الغوائل. وإقحام اسم الإشارة للتعظيم.

وأما طور سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى شأنه موسى عليه السلام عليه ويقال له طور سيناء بكسر السين والمد وبفتحها والمد وقد قرأ بالأول هنا بدل (سينين) عمر بن الخطاب وعبد الله وطلحة والحسن وبالثاني عمر أيضاً وزيد بن علي (وطور سَينين) بفتح السين وهي لغة بكر وتميم وقد قرأ بها ابن أبـي إسحٰق وعمرو بن ميمون وأبو رجاء وفي «البحر» أنه لم يختلف في أنه جبل بالشام وتعقبه الشهاب ((بأنه خلاف المشهور فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة)) وسينين قيل اسم للبقعة التي فيها الجبل أضيف إليه الطور ويعامل في الإعراب معاملة بيرون ونحوه فيعرب بالواو والياء ويقر على الياء وتحرك النون بحركات الإعراب. وقال الأخفش سينين جمع بمعنى شجر واحدته سينة فكأنه قيل طور الأشجار وأخرج ابن أبـي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال سينين هو الحسن وأخرج عبد بن حميد نحوه عن الضحاك وكذلك أخرج هو وجماعة عن عكرمة بزيادة بلسان الحبشة وأخرج هو أيضاً وابن جرير وابن عساكر وغيرهما عن قتادة أنه قال سينين مبارك حسن ذو شجر والإضافة على ما ذكر من إضافة الصفة إلى الموصوف.

وأما التين والزيتون فروى جماعة عن قتادة أن الأول منهما الجبل الذي عليه دمشق والثاني الجبل الذي عليه بيت المقدس ويقال على ما أخرج سعيد بن منصور وابن أبـي حاتم عن أبـي حبيب الحرث بن محمد للأول طور تينا وللثاني طور زيتا وذلك لأنهما منبتا التين والزيتون وكأن الكلام على هذا إما على حذف مضاف أو على التجوز بأن يكون قد تجوز بالتين والزيتون عن منبتيهما وشاع ذلك وأخرج عبد بن حميد عن أبـي عبد الله الفارسي أن التين مسجد دمشق والزيتون بين المقدس ولعل إطلاقهما عليهما لأن فيهما شجراً من جنسهما وعن كعب الأحبار أنهما دمشق وإيلياء بلد بيت المقدس وكأن تسميتهما بذلك من تسمية المحل باسم الحال فيه وأخرج عبد بن حميد وابن أبـي حاتم عن محمد بن كعب أنهما / مسجد أصحاب الكهف ومسجد إيلياء وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنهما مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي وبيت المقدس وعن شهر بن حوشب أنهما الكوفة والشام وتعقب بأن الكوفة بلدة إسلامية مَصَّرَها سعد بن أبـي وقاص في أيام أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه ولعله أراد الأرض التي تسمى اليوم بالكوفة فقد كانت كما في «القاموس» وغيره منزل نوح عليه السلام وقال بعضهم إن الكوفة بلد كانت قبل لكنها خربت فجددت في أيام عمر رضي الله تعالى عنه وقيل هما جبال ما بين حلوان وهمذان وجبال الشام لأنهما منابتهما وأياً ما كان فالمتعاطفات متناسبة في أن المراد بها أماكن مخصوصة.

السابقالتالي
2 3