الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } بيان لما يتصدون له عند الرجوع إليهم، والخطاب قيل للنبـي صلى الله عليه وسلم، والجمع للتعظيم، والأولى أن يكون له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه لأنهم كانوا يعتذرون للجميع أي يعتذرون إليكم في التخلف { إِذَا رَجَعْتُمْ } من الغزو منتهين { إِلَيْهِمُ } وإنما لم يقل سبحانه إلى المدينة إيذاناً بأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة فلعل منهم من بادر إلى الاعتذار قبل الرجوع إليها { قُلْ } خطاب له صلى الله عليه وسلم، وخص بذلك لما أن الجواب وظيفته عليه الصلاة والسلام { لاَ تَعْتَذِرُواْ } أي لا تفعلوا الاعتذار أو لا تعتذروا بما عندكم من المعاذير { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } استئناف لبيان موجب النهي.

وقوله: { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } استئناف لبيان موجب النفي كأنه قيل: لم نهيتمونا عن الاعتذار؟ فقيل: لأنا لم نصدقكم في عذركم فيكون عبثاً فقيل: لم لن تصدقونا؟ فقيل: لأن الله تعالى قد أنبأنا بالوحي بما في ضمائركم من الشر والفساد. و (نَبَّأ) عند جمع متعدية إلى مفعولين الأول الضمير والثاني { مِنْ أَخْبَارِكُمْ } إما لأنه صفة المفعول الثاني، والتقدير جملة من أخباركم أو لأنه بمعنى بعض أخباركم، وليست { مِنْ } زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب. وقال بعضهم: إنها متعدية لثلاثة { وَمِنْ أَخْبَـٰرَكُمْ } ساد مسد مفعولين لأنه بمعنى إنكم كذا وكذا أو المفعول الثالث محذوف أي واقعاً مثلاً، وتعقب بأن السد المذكور بعيد، وحذف المفعول الثالث إذا ذكر المفعول الثاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف، ومعنى { نَبَّأَنَا } على الأول عرفنا كما قيل وعلى الثاني أعلمنا، وقيل: معناه خبرنا، و { مِنْ } بمعنى عن وليس بشيء، وجمع ضمير المتكلم في الموضعين للمبالغة في حسم أطماع المنافقين المعتذرين رأساً ببيان عدم رواج اعتذارهم. عند أحد من المؤمنين أصلاً فإن تصديق البعض لهم ربما يطمعهم في تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً وللإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافة وتعدية { نُؤْمِنُ } باللام مر بيانها.

{ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ } أي سيعلمه سبحانه علماً يتعلق به الجزاء فالرؤية علمية، والمفعول الثاني محذوف أي أتنيبون عما أنتم فيه من النفاق أم تثبتون عليه، وكأنه لمكان السين المفيدة للتنفيس استتابة / وإمهال للتوبة، وتقديم مفعول الرؤية على الفاعل من قوله سبحانه: { وَرَسُولُهُ } للإيذان باختلاف حال الرؤيتين وتفاوتهما وللإشعار بأن مدار الوعيد هو علمه عز وجل بأعمالهم. { ثُمَّ تُرَدُّونَ } يوم القيامة { إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } للجزاء بما ظهر منكم من الأعمال، ووضع الوصف موضع الضمير لتشديد الوعيد فإن علمه سبحانه بجميع أعمالهم الظاهرة والباطنة وإحاطته بأحوالهم البارزة والكامنة مما يوجب الزجر العظيم. وتقديم الغيب على الشهادة قيل: لتحقيق أن نسبة علمه تعالى المحيط إلى سائر الأشياء السر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده، كيف لا وعلمه تعالى بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة انتهى.

السابقالتالي
2