الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } استئناف لبيان ما صدر منهم من الجرائم الموجبة لما مر. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة خلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهيني فقال عبد الله بن أبـي للأوس انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه مما يقول هذا المنافق إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه [فسأله] فجعل يحلف بالله تعالى ما قاله فنزلت. وأخرج ابن اسحاق وابن أبـي حاتم عن كعب بن مالك قال: لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين الجُلاس بن سويد: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير فسمعه عمير بن سعد فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثراً ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولاحداهما أشد عليّ من الأخرى فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال الجُلاس فحلف بالله تعالى ما قال ولقد كذب عليّ عمير فنزلت.

وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين أنها لما نزلت أخذ النبـي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير قال: «وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك» وكان يدعو حين حلف الجلاس اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب. وأخرج عن عروة أن الجلاس تاب بعد نزولها وقبل منه، وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال: انه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله تعالى ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله تعالى الآية»، وإسناد الحلف إلى ضمير الجمع على هذه الرواية ظاهر وأما على الروايتين الأوليين فقيل: لأنهم رضوا بذلك واتفقوا عليه فهو من إسناد الفعل إلى سببه أو لأنه جعل الكلام لرضاهم به كأنهم فعلوه ولا حاجة إلى عموم المجاز لأن الجمع بين الحقيقة والمجاز جائز في المجاز العقلي وليس محلاً للخلاف، وإيثار صيغة الاستقبال في { يَحْلِفُونَ } على سائر الروايات لاستحضار الصورة أو للدلالة على تكرير الفعل وهو قائم مقام القسم، و { مَا قَالُواْ } جوابه.

{ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } / هي ما حكي من قولهم والله ما مثلنا الخ أو والله لئن كان هذا الرجل صادقاً الخ أو الشتم الذي وبخ عليه الصلاة والسلام، والجملة مع ما عطف عليها اعتراض { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } أظهروا ما في قلوبهم من الكفر بعد إظهار الإسلام وإلا فكفرهم الباطن كان ثابتاً قبل والإسلام الحقيق لا وجود له { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } من الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من غزوة تبوك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6