الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أخرج ابن أبـي حاتم عن السدي أنها نزلت في جماعة من المنافقين منهم الجُلاس بن سويد بن صامت ورفاعة ابن عبد المنذر ووديعة بن ثابت وغيرهم قالوا ما لا ينبغي في حقه عليه الصلاة والسلام فقال رجل منهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمداً صلى الله عليه وسلم ما تقولون فيقع بنا. فقال الجُلاس: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أذن، وفي رواية أذن سامعة، وعن محمد بن إسحاق أنها نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث، وكان رجلاً آدم أحمر العينين أسفع الخدين / مشوه الخلقة وكان ينم حديث النبـي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل. فقال: إنما محمد صلى الله عليه وسلم أذن من حدثه شيئاً صدقه نقول شيئاً ثم نأتيه ونحلف له فيصدقنا، وهو الذي قال فيه النبـي صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث " وأرادوا سوّد الله تعالى وجوههم وأصمهم وأعمى أبصارهم بقولهم أذن أنه عليه الصلاة والسلام يسمع ما يقال له ويصدقه فيكون وصف { أُذُنُ } بما يفيد ذلك في كلامهم كشفاً له، وهي في الأصل اسم للجارحة، وإطلاقها على الشخص بالمعنى المذكور ـ كما يؤيده بعض الروايات ـ من باب المجاز المرسل على ما في «المفتاح» كإطلاق العين على ربيئة القوم حيث كانت العين هي المقصودة منه، وصرح غير واحد أن ذلك من إطلاق الجزء على الكل للمبالغة كقوله:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين   وإن هي ناجتني فكلي مسامع
وقيل: إنه مجاز عقلي كرجل عدل وفيه نظر، والمبالغة هنا على ما قيل في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجرد السماع، وما قيل: إن مرادهم بكونه عليه الصلاة والسلام أذناً تصديقه بكل ما يسمع من غير فرق بين ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصدق له وبين ما لا يليق به فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة. ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالأذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به وقيل: إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن ولا يخفى أنه مذهب لرونقه، وجوز أن يكون { أُذُنٌ } صفة مشبهة من أذن يأذن إذناً إذا استمع وأنشد الجوهري لقعنب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً   مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به   وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

السابقالتالي
2 3