الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ }

{ إِن تُصِبْكَ } في بعض مغازيك { حَسَنَةٌ } من الظفر والغنيمة { تَسُؤْهُمْ } تلك الحسنة أي تورثهم مساءة وحزناً لفرط حسدهم - لعنهم الله تعالى - وعداوتهم { وَإِن تُصِبْكَ } في بعضها { مُصِيبَةٌ } كانكسار جيش وشدة { يَقُولُواْ } متبجحين بما صنعوا حامدين لآرائهم { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا } أي تلافينا ما يهمنا من الأمير يعنون به التخلف والقعود عن الحرب والمداراة مع الكفرة وغير ذلك من أمور الكفر والنفاق قولاً وفعلاً { مِن قَبْلُ } أي من قبل إصابة المصيبة حيث ينفع التدارك، يشيرون بذلك إلى أن نحو ما صنعوه إنما يروج عند الكفرة بوقوعه حال قوة الإسلام لا بعد إصابة المصيبة { وَيَتَوَلَّواْ } أي وينصرفوا عن متحدثهم ومحل اجتماعهم إلى أهليهم وخاصتهم أو يتفرقوا وينصرفوا عنك يا رسول الله { وَّهُمْ فَرِحُونَ } بما صنعوا وبما أصابك من السيئة.

والجملة في موضع الحال من الضمير في { يَقُولُواْ } و { وَيَتَوَلَّواْ } فإن الفرح مقارن للأمرين معاً، وإيثار الجملة الإسمية للدلالة على دوام السرور، وإنما لم يؤت بالشرطية الثانية على طرز الأولى بأن يقال: وإن تصبك مصيبة تسرهم بل أقيم ما يدل على ذلك مقامه مبالغة في فرط سرورهم مع الإيذان بأنهم في معزل عن إدراك سوء صنيعهم لاقتضاء المقام ذلك، وقيل: إن إسناد المساءة إلى الحسنة والمسرة إلى أنفسهم للإيذان باختلاف حالهم حالتي عروض المساءة والمسرة بأنهم في الأولى مضطرون وفي الثانية مختارون، وقوبل هنا الحسنة بالمصيبة ولم تقابل بالسيئة كما قال سبحانه في سورة آل عمران: [120]وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } لأن الخطاب هنا للنبـي صلى الله عليه وسلم وهو هناك للمؤمنين وفرق بين المخاطبين فإن الشدة لا تزيده صلى الله عليه وسلم إلا ثواباً فإنه المعصوم في جميع أحواله عليه الصلاة والسلام، وتقييد الإصابة في بعض الغزوات لدلالة السياق عليه، وليس المراد به بعضاً معيناً هو هذه الغزوة التي استأذنوا في التخلف عنها وهو ظاهر. نعم سبب النزول يوهم ذلك، فقد أخرج ابن أبـي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا في المدينة يخبرون عن النبـي صلى الله عليه وسلم / أخبار السوء يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبـي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فأنزل الله تعالى الآية فتأمل.