الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }

{ وَمنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } في القعود عن الجهاد { وَلاَ تَفْتِنِّي } أي لا توقعني في الفتنة بنساء الروم. أخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " لما أراد النبـي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس: يا جد بن قيس ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟ فقال: يا رسول الله إني امرأ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن فائذن لي ولا تفتني فنزلت " ، وروي نحوه عن عائشة وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، أو لا توقعني في المعصية والإثم بمخالفة أمرك في الخروج إلى الجهاد، وروي هذا عن الحسن وقتادة واختاره الجبائي، وفي الكلام على هذا إشعار بأنه لا محالة متخلف أذن له صلى الله عليه وسلم أو لم يأذن. وفسر بعضهم الفتنة بالضرر أي لا توقعني في ذلك فاني إن خرجت معك هلك مالي وعيالي لعدم من يقوم بمصالحهم، وقال أبو مسلم: أي لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر، وقرىء { وَلاَ تَفْتِنّي } من أفتنه بمعنى فتنة.

{ أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ } أي في نفسها وعينها وأكمل أفرادها الغني عن الوصف بالكمال الحقيق باختصاص اسم الجنس به { سَقَطُواْ } لا في شيء مغاير لها فضلاً عن أن يكون مهرباً ومخلصاً عنها، وذلك بما فعلوا من العزيمة على التخلف والجراءة على هذا الاستئذان والقعود بالإذن المبني عليه وعلى الاعتذارات الكاذبة، وفي / مصحف أبـي { سقطَ } بالإفراد مراعاة للفظ { مِنْ } ولا يخفى ما في تصدير الجملة بأداة التنبيه من التحقيق، وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين، وتقديم الجار والمجرور لا يخفى وجهه.

{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } وعيد لهم على ما فعلوا وهو عطف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه، أي جامعة لهم من كل جانب لا محالة وذلك يوم القيامة، فالمجاز في اسم الفاعل حيث استعمل في الاستقبال بناء على أنه حقيقة في الحال، ويحتمل أن يكون المراد أنها حيطة بهم الآن بأن يراد من جهنم أسبابها من الكفر والفتنة التي سقطوا فيها ونحو ذلك مجازاً.

وقد يجعل الكلام تمثيلاً بأن تشبه حالهم في إحاطة الأسباب بحالهم عند إحاطة النار، وكون الأعمال التي هم فيها هي النار بعينها لكنها ظهرت بصورة الأعمال في هذه النشأة وتظهر بالصورة النارية في النشأة الأخرى كما قيل نظيره في قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } [النساء: 10] منزع صوفي، والمراد بالكافرين إما المنافقون المبحوث عنهم، وإيثار وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والإشعار بأنه معظم أسباب الإحاطة المذكورة وإما جميع الكافرين ويدخل هؤلاء دخولاً أولياً.